Ali Mudia
الجزء الأول
Genres
ثم كانت بيعة العقبة ثانيا، وقد وافى الموسم خلق من الأنصار مابين مسلم ومشرك، وزعيمهم البراء بن مغرور، فتسلل منهم جماعة مستخفون لا يشعر بهم أحد، واجتمعوا برسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- في ذي الحجة، وواعدوه أوسط أيام التشريق بالعقبة، فلما كان الليل خرجوا بعد مضي ثلاثة أيام [مستخفين](1) يتسللون حتى اجتمعوا وهم ثلاثة وسبعون رجلا، وامرأتان هما: أم عمارة نسيبة بنت عمرو بن كعب، وأسماء بنت عمرو بن عدي، وجاءهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومعه عمه العباس، وهو على دين قومه، وعلي عليه السلام، وأبو بكر، فأوقف العباس عليا عليه السلام في فم الشعب عينا له، وأوقف أبا بكرعلى فم الطريق الأخر عينا له، وتكلم العباس أولا يتوثق لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم تلى رسول الله -صلى الله عليه وآله سلم- عليهم القرآن، ورغبهم في الإسلام، وشرط عليهم أن يمنعوه مما يمنعون منه نساءهم، فأخذ البراء بن مغرور بيده، وقال: والذي بعثك بالحق نبيا لنمنعك مما نمنع منه أزرنا(2) فبايعنا يا رسول الله، فنحن والله أهل الحرب، فاعترض الكلام أبو الهيثم بن التيهان فقال: يا رسول الله، إن بيننا وبين الناس جبالا، ونحن قاطعوها(3) فهل عسيت إن أظهرك الله أن ترجع إلى قومك وتدعنا، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال: ((أنتم مني وأنا منكم، أسالم من سالمتم، وأحارب من حاربتم)) فبايعوه على أن يمنعوه مما يمنعون منه أبناءهم ونساؤهم وأزرهم، وأقام صلى الله عليه وآله وسلم اثني عشر نقيبا منهم، قد سماهم في (الإمتاع) فلما تمت بيعتهم استأذنوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يميلوا على أهل (منى) بأسيافهم فقال: ((لم أؤمر بذلك))، ثم اشتد الأذى على من ب(مكة) من المسلمين، فأذن لهم الرسول صلى الله عليه وآله في الهجرة إلى (المدينة)، فبادروا إلى ذلك في خفاء وتستر، فيقال: إنه كان بين أولهم وآخرهم أكثر من سنة، وجعلوا يترافدون بالمال والظهر، ويتوافقون، وكان بنزل كل وفد من المهاجرين ببيت من الأنصار فيكرمون نزلهم، ويشاطرونهم أموالهم، ويبالغون في تأهيلهم وإكرامهم، هكذا ذكره ابن بهران.
وقال الحجوري في (الروضة): فلما أن كان في العام القابل اتوه وهم سبعون رجلا متسربلين في الحديد، إلى قوله: فلما علمت بهم قريش ارتاعوا من ذلك واجتمعوا إلى خيمة عتبة بن ربيعة، وأقبل أبو جهل، وعكرمة بن أبي جهل، وعمرو بن العاص، وصفوان بن أمية، وأبو سفيان بن صخر بن حرب، وعتبة بن ربيعة، ثم نهضوا إلى الأنصار، ثم حكى الحجوري ما كان بينهم من المنازعة والشقاق، وما أنشدوه من الأشعار حتى هموا بالحرب، ثم(1) آل أمرهم إلى أن حلفت قريش للأنصار ألا يعرضوا للنبي صلى الله عليه وآله وسلم إلا بخير ولا لمن دخل في دينه من أبائهم وإخوانهم وجيرانهم، ولا لمن أحب ينفذ معه من الأنصار، ولا لمن أتى إليه من جميع القبائل، ويبقى النبي صلى الله عليه وآله بين أظهرهم مدة الأجل وهو ثلاثة أشهر، ثم يقضي الله سبحانه وتعالى في هذا الأجل ما أحب.
قال: وأخذت قريش من الأنصار عهد الله على ذلك، وانصرفوا بلادهم راضين بأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال: وأسلم في تلك الأشهر عمار بن ياسر العنسي، وعمر، وعثمان، وطلحة، وقوم من (مكة) كثير وهاجروا، فلما علمت(2) ذلك قريش شق عليهم ذلك واجتمعوا إلى دار الندوة واشتوروا وهموا بالغدر بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقال بعضهم: نقتله، وقال بعضهم: نطرده، وقال بعضهم: نوثقه رباطا، فأضجع عليا عليه السلام في مضجعه، وخرج صلى الله عليه وآله وسلم إلى الغار الخبر.
Page 154