41 -
والأمور التي تستعمل إنما ينحى بها نحو تلك الأحوال الثلاثة التي ينبغي أن تحصل للمتعلم في الشيء الذي يتعلمه. وهذه الأمور كثيرة، منها استعمال الألفاظ الدالة على الشيء وحد الشيء وأجزاء حده وجزئياته وكلياته ورسوم الشيء وخواصه وأعراضه وشبيه الشيء ومقابله والقسمة والمثال والاستقرار والقياس ووضع الشيء بحذاء العين. وهذه كلها ما عدا القياس فتنفع في تسهيل الفهم والتصور. وأما القياس فإن شأنه أن يوقع التصديق بالشيء فقط. والذي قصدنا أن يقع به التصديق ينبغي أن يتصور قبل ذلك على الكفاية ثم يطلب التصديق به، فإن علم صدقه بنفسه لم يحتج إلى القياس، وإن لم يعلم بنفسه استعمل القياس في تبين صدقه. وجميع هذه قد تنفع في سهولة حفظ الشيء. والاستقرار والمثال من بينها ينفعان في الثلاثة بأسرها - أعني أن فهم الشيء يسهل بهما والتصديق أيضا قد يقع بهما وينفعان في سهولة الحفظ. وسائر هذه الأمور - ما عدا المثال والاستقراء والقياس - فإنها ليس شأنها أن توقع التصديق، لكنها تنفع في سهولة الفهم وفي سهولة الحفظ فقط.
42 -
أما لفظ الشيء وحده وأجزاء حده ورسمه
وخاصته وعرضه وشبيهه وجزئياته وكلياته، فإنها تنقع في جودة الفهم وفي حفظ الشيء.
وتستعمل على جهات ثلاث.
إحداها أن تؤخذ علامات للشيء
فتكون بأنفسها مخيلة، فتكون بحيث إذا حضرت الذهن حضر معها الشيء الذي جعلت هذه علامات له. فلذلك تكون مذكرة للشيء ومنبهة عليه، فتعين على تخيل الشيء وعلى حفظه. وأمر شبيهه أيضا بين. فإن الشيء متى يخيل شبيهه سهل تصور الشيء نفسه، من قبل أن خيال الشيء في النفس على مثال خيال شبيهه. والشيئان قد يشتبهان بأن يشتركا في أمر واحد يؤخذ فيهما جميعا معا، ويشتبهان بأن يتناسبا نسبا متشابهة. مثال ذلك أن نسبة الربان إلى المركب كنسبة قائد الجيش إلى الجيش، وكنسبة مدبر المدينة إلى المدينة. فقائد الجيش ومدبر المدينة والربان يتشابهون بتشابه نسبهم.
43 -
والنحو الثاني هو أن يبدل بعض هذا مكان بعض
وهو أن الشيء متى كان له اسمان، فكان أحدهما أعرف عند المتعلم والآخر أخفى عنه، فلم يفهم الشيء باسمه الأخفى، أبدل الأعرف مكان الأخفى. وكذلك متى كان الشيء يدل عليه لفظ مفرد ولفظ مركب، فلم يسهل فهمه عن لفظه المفرد، أبدل لفظه المركب مكان المفرد. وكذلك يبدل المفرد مكان المركب. وعلى هذا المثال قد يبدل كل واحد مكان كل واحد متى احتيج إلى ذلك. وهذا النحو يسمى إبدال الأعرف واقتضاب الأعرف. وكذلك يبدل اللفظ المفرد باللفظ المركب. وتبديل اللفظ المفرد باللف المركب يسمى شرح الإسم وتحليل الاسم إلى الحد. وعلى هذا المثال قد تبدل بدل حد الشيء حدود أجزاء حد الشيء. وهذا يسمى تحليل أجزاء الحد. وقد يشبه هذا أخذ الأشياء التي عنها يتركب الشيء بدل اسم الشيء في تعريف ذلك الشيء، كما لو أخذنا بدل الحائط اللبن أو الطين والآجر التي عنها تركب الحائط، والحائط هو جملة ذلك الشيء من غير أن يحضر في الذهن ما ينطوي عليه تلك الجملة من الأجزاء. وأخذ أجزائه بدل ذلك هو أخذ الجملة مفصلة بأجزائها. وإبدال ما عنه ركب الشيء بدل الشيء يسمى تحليل الشيء إلى ما عنه ركب. وهذا يشبه إبدال اللفظ المركب الدال على الشيء مكان اسم ذلك الشيء وإبدال حد الشيء مكان اسم الشيء. وقوم يسمو هذه الإبدالات الثلاثة المتشابهة القسمة، وآخرون يسمونها التحليل.
44 -
والنحو الثالث إبدال هذه الأشياء مكان الشيء نفسه
فإنه ربما عسر تصور الشيء فينبغي فيه أن يؤخذ لفظه بدل خيال ذلك الشيء. وكذلك متى كان تخيل حد الشيء أو أجزاء حدة أيسر على المتعلم من تخيل الشيء نفسه، أبدل حده بدل الشيء نفسه. وكذلك رسمه وخاصتة وعرضه. وكذلك متى عسر تصور شيء ما وكان ذلك الشيء كليا، أخذ جزء ذلك الشيء بدل ذلك الشيء فاكتفي بتخيله عن تخيل الكلي. وكذلك إن عسر تصور أمر ما وسهل تصور جنس ذلك الأمر أو نوعه، أخذ جنس ذلك الأمر أو نوعه بدل الأمر فاكتفي به وأقيم مقامه إلى أن يقوى ذهن المتعلم على تخيل الشيء بذاته. وقد يمكن أن يؤخذ شبيه الشيء بدل الشيء فيكتفي بتصور شبيهه عن تصور الشيء نفسه.
Page 19