Alf Layla Wa Layla Fi Adab
الرواية الأم: ألف ليلة وليلة في الآداب العالمية ودراسة في الأدب المقارن
Genres
وهناك القصة الخامسة من اليوم الأول، وتحكي عن افتتان ملك فرنسا فيليب لي بورني بزوجة المركيز الإيطالي دي مونفرات، فيذهب إليها في غياب زوجها بهدف إغوائها. وتفطن السيدة الشريفة لغرض الملك، فتعمد إلى الحيلة بأن تقيم له وليمة تقدم له فيها أطباقا متتابعة كلها من الدجاج. ولما يتعجب الملك من ذلك، ويسألها ألا يوجد في بلدهم سوى الدجاج دون أن يكون فيهم ديك واحد، تجيبه بأن دجاجاتهم تشبه النساء، فرغم اختلاف امرأة عن الأخرى اختلافات يسيرة، فالنساء تتشابه فيما بينها. ويدرك الملك القصد من وراء كلام الزوجة، فيعف عنها ويتركها في حالها. والقصة ترد بنفس الشكل في ألف ليلة وليلة، في رداء عربي صميم، تقع أحداثها ضمن دورة حكاية الملك وولده والجارية ووزرائه السبع، في قصة تحمل عنوان «حكاية الملك وزوجة وزيره»، وفيها تقدم زوجة الوزير إلى الملك الطامع فيها تسعين صحنا، «فجعل الملك يأكل من كل صحن ملعقة ، والطعام ألوان مختلفة وطعمها واحد. فتعجب الملك من ذلك غاية العجب ثم قال: أيتها الجارية، أرى هذه الأنواع كثيرة وطعمها واحد. فقالت له الجارية: أسعد الله الملك، هذا مثل ضربته لك لتعتبر به. فقال لها: وما سببه؟ فقالت: أصلح الله حال مولانا الملك إن في قصرك تسعين محظية مختلفات الألوان وطعمهن واحد. فلما سمع الملك ذلك الكلام خجل منها وقام من وقته وخرج من المنزل ولم يتعرض لها بسوء.» ويخشى زوج المرأة أن يكون الملك قد عبث بزوجته، فيحادثه عن طريق الرمز، عن دخول الأسد إلى أرضه، فيطمئنه الملك بقوله إن الأسد لم يطأ أرضه، فيعرف أن زوجته طيبة صالحة.
والقصة واردة قبل ذلك في القصص القرآني المتعلق بالنبي داود عليه السلام، وقصص الأنبياء للثعالبي، الذي يقص قصة زواج داود من امرأة أورياء قائد جيوشه، وقصة الخصمين اللذين تسورا المحراب ليقصا على داود خلافهما بشأن الأخ الذي لديه تسع وتسعون نعجة ثم يطمع في النعجة الواحدة التي يمتلكها أخوه، رغم عدم اختلافها في شيء عن بقية النعاج. والمثل والعبرة واضحان في القصة.
ثم هناك القصة السابعة من اليوم الثاني، ويحكي فيها بوكاتشيو عن سلطان بابل (بغداد؟) وابنته «ألاتيل» ذات الجمال الأخاذ الذي يفتن كل من رآه أو سمع به. ويخطب ملك الجرف (في شمال أفريقيا؟) ابنة السلطان، ولكن السفن التي تقلها إليه من ميناء الإسكندرية (!) تجنح تحت وطأة العواصف إلى جزيرة ميورقة. ومن هنا، تبدأ مصائب الأميرة المسلمة، إذ لا يراها أي رجل إلا ويفتتن بجمالها. وهكذا يتعاقب محبو ألاتيل عليها، ويقتل الواحد منهم الآخر في سبيل الفوز بها، بل وتقوم الحروب بين المدن الإغريقية في سبيل الحصول عليها. ونجد هنا التصوير المعهود للعلاقات بين اليونان وبيزنطة، وبينهما وبين ملوك الإسلام، على النحو الذي تصوره ألف ليلة خصوصا في «حكاية الملك عمر النعمان». وتتقلب الأحداث بالأميرة المسلمة في البلاد المسيحية، إلى أن يراها أحد معارف أبيها السلطان ويعود بها إلى الإسكندرية «حيث كانت الأمة المصرية كلها في حزن لفقدها.» وبناء على نصيحة صديق أبيها الذي أنقذها، تخفي عن الجميع ما لاقته من معاملة في غربتها، وتزف ثانية إلى ملك الجرف، الذي يجدها عذراء كما هو المعهود في أميرات الشرق عند زواجهن! ويبدي بوكاتشيو في تلك الحكاية جهلا كبيرا بجغرافية المدن الإسلامية، فيخلط بين بابل والإسكندرية، وإن كان يبدي معرفة بالمسلمين وعاداتهم وعقائدهم كما كان يراها المسيحيون في عصره، وهو ما يدعو للاعتقاد بأنه قد استقى تلك القصة من حكايات عربية متواترة، منها القصص المشابهة لها في ألف ليلة وليلة.
وثمة قصتان أخريان تجري أحداثهما في تونس. إلا أن أغلبية الحكايات تتعلق بالنساء وحيلهن في التوصل إلى من يحببن، وهي نفس التيمة التي تتغلغل في ثنايا حكايات ألف ليلة وليلة. بل إن هناك القصة الرابعة من قصص اليوم السابع في الديكاميرون، وهي تحكي عن الزوج الذي يضبط زوجته وقد تسللت أثناء الليل للقاء عشيقها، فيغلق الباب حتى لا يدعها تدخل ثانية عند عودتها. وتتوسل الزوجة لزوجها كي لا يفضحها ويفتح الباب لها، فلما أيأسها، تلقي حجرا ثقيلا في البئر لتوهم الزوج بأنها ألقت بنفسها فيه. ولما يخرج الزوج ليستطلع ما حدث لزوجته، تغافله الزوجة وتدلف إلى داخل البيت ثم تغلق الباب من دون زوجها، وتصيح شاكية للجيران من سوء معاملة زوجها لها وبقائه طوال الليل بالخارج مع عشيقاته! ونفس هذه الحبكة واردة بحذافيرها في ألف ليلة وليلة. وربما يكون بوكاتشيو قد أخذها من مجموعات القصص المترجم إلى اللاتينية من قصص ألف ليلة وغيرها من الكتب العربية والشرقية.
كتب القصص الإنجليزية
وقد وجدت القصص اللاتينية التي سبق ذكرها طريقها آخر الأمر إلى اللغة الإنجليزية القديمة والوسطى. فبالإضافة إلى ترجمة الأعمال السابقة، ظهرت مجموعات من الحكايات المكتوبة أصلا بالإنجليزية، عكست في معظمها الصلة مع الأدب الناشئ في أوروبا والذي تستبين فيه ملامح التراث العربي الإسباني وقتها. وقد اشتهرت من بين تلك المجموعات الكتب التالية: «الصفاء»
و«اللؤلؤة»
THE PEARL
و«السير جاوين والفارس الأخضر»
SIR GAWAIN AND THE GREEN KNIGHT ، وهي كلها كتب نهلت من معين الحكايات والأساطير والرومانسات الأندلسية بعد أن غلفتها بطابع غربي مسيحي به الكثير من قصص الكتاب المقدس والأساطير الكلتية وتيمات الكأس المقدسة وما تفرع عنها من قصص وحكايات.
Unknown page