الدرر المنتقاة من الكلمات الملقاة
الدرر المنتقاة من الكلمات الملقاة
Publisher
(بدون)
Genres
يَسِيلُ إِلَيْهِمْ، فَقَالُوا: يَا أَهْلَ الْخَيْمَةِ مَا هَذَا الَّذِي يَاتِينَا مِنْ قِبَلِكُمْ؟ فَإِذَا سَعْدٌ جُرْحُهُ يَغِذُّ دَمًا (^١) فَمَاتَ» (^٢).
وقد حزن النبي ﷺ لفراق سعد كثيرًا، وأخبر أن عرش الرحمن قد اهتز لموته، روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث جابر ﵁: أن النبي ﷺ قال: «اهْتَزَّ عَرْشُ الرَّحْمَنِ لِمَوْتِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ» (^٣)، ومع هذه المنزلة العظيمة لسعد إلا أنه لم يسلم من ضمة القبر، فروى النسائي في سننه من حديث ابن عمر أن النبي ﷺ قال عن سعد بعد وفاته: «هَذَا الَّذِي تَحَرَّكَ لَهُ الْعَرْشُ وَفُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَشَهِدَهُ سَبْعُونَ أَلْفًا مِنَ الْمَلَائِكَةِ، لَقَدْ ضُمَّ ضَمَّةً ثُمَّ فُرِّجَ عَنْهُ» (^٤)، وروى الإمام أحمد في مسنده من حديث عائشة ﵂: أن النبي ﷺ قال: «إِنَّ لِلْقَبْرِ ضَغْطَةً لَوْ كَانَ أَحَدٌ نَاجِيًا مِنْهَا نَجَا سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ» (^٥)،
قال الذهبي: وهذه الضمة ليست من عذاب القبر في شيء؛ بل هو أمر يجده المؤمن كما يجد ألم فقد ولده وحميمه في الدنيا، وكما يجد من ألم مرضه وألم خروج نفسه، وألم سؤاله في قبره وامتحانه، وألم تأثره ببكاء أهله عليه، وألم قيامه من قبره، وألم الموقف وهوله، وألم الورود على النار ونحو ذلك؛ فهذه الأراجيف كلها قد تنال العبد وما هي من عذاب القبر ولا من عذاب جهنم قط، ولكن العبد التقي يرفق الله به في بعض ذلك أو كله، ولا راحة للمؤمن دون لقاء ربه؛ قال تعالى:
(^١) يغذ دمًا أي يسيل يقال إذا الجرح يغذ إذا دام سيلانه. (^٢) صحيح البخاري برقم (٤١٢٢)، وصحيح مسلم برقم (١٧٦٩). (^٣) صحيح البخاري برقم (٣٨٠٣)، وصحيح مسلم برقم (٢٤٦٦). (^٤) سنن النسائي برقم (٢٠٥٥)، وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي (٢/ ٤٤١) برقم (١٩٤٢). (^٥) مسند الإمام أحمد (٤٠/ ٣٢٧) برقم (٢٤٢٨٣)، وقال محققوه: حديث صحيح ..
1 / 176