Albert Camus Muqaddima Qasira
ألبير كامو: مقدمة قصيرة جدا
Genres
أثبت العبث لكامو أن الحياة بلا معنى؛ لأنها قد تنتهي فجأة في أي وقت. ومن هذا المنطلق، كان على كامو أن يتوافق مع ما رأى أنه استحالة تفسير أو عقلنة كل من الحياة والموت. وأطلق كامو على قرار مواجهة عبث الحياة هذا «إرادة العبث» - وهو استعداد لقبول فناء المرء وعجزه عن فهم الحياة. ولذا، فإن العبث هو إدراك للحال وتغيير للوعي في آن واحد، هو صحوة، قرار بمواجهة عالم بلا معنى. وسيعبر كامو عن ذلك للشاعر فرانسيس بونج في صيف عام 1943 بقوله: «الإحساس بالعبث هو العالم الذي يحتضر، وإرادة العبث هي العالم الجديد.» «العالم الذي يحتضر» هو عالم التفسيرات التقليدية (الديانات والفلسفات التي تحاول أن تضفي معنى على الحياة). يطرح كامو تلك المعتقدات والنظم الفكرية جانبا. أما «العالم الجديد» فهو الغاية من عالم ذي وعي جديد، هو إدراك للعبث وقبول به. في كتاباته، طرح كامو أمثلة للوعي الجديد تحتل فيها الطبيعة - خاصة الشمس - مكانا مهما، والشمس الجزائرية خير مثال. كان على كامو أن يستخدم القصص ليوضح إحساس العبث وإرادته؛ لأن كليهما متجذر في التجربة. وهذان الوجهان للعبث بوصفه إحساسا وإرادة يمثلان الأصل الذي انطلق منه دافعه السردي في تلك المرحلة من مسيرته الأدبية.
كان أول ثلاثة أعمال كبرى له - وهي «كاليجولا»، و«الغريب»، و«أسطورة سيزيف» - تدور حول سرد التجارب العبثية، وفي بعض الأحيان كانت تدور حول صدامات عنيفة بين من انتبه إلى عبثية الحياة وبين من اختار أن يتجاهلها. أطلق كامو على تلك الأعمال اسم «عبثياتي الثلاثة». كل عمل يعرض العبث من منظور فريد ومميز. في مسرحية «كاليجولا»، يعايش الإمبراطور الروماني الإحساس بالعبث، ويشرع في تعليمه لرعاياه كرها. وفي رواية «الغريب»، يكون القارئ مستهدفا على نحو غير مباشر ويجبر على الإحساس بالعبث. وأخيرا، في «أسطورة سيزيف»، يبين كامو إرادة العبث عبر سرديات وأمثلة.
كاليجولا «كاليجولا» هي مسرحية كامو الأولى. بدأ كتابتها عام 1937 وانتهى منها عام 1939، لكنها لم تعرض على المسرح حتى خريف عام 1944، بعد أسابيع من تحرير باريس. عادة ما يوصف كاليجولا إلى جانب نيرو بأنه نموذج مثالي للمستبد المعتوه. ومع ذلك، مسرحية كامو ليست قصة نمطية عن مقاومة الاستبداد؛ فمعارضة كاليجولا مدفوعة برغبة رعاياه في عيش حياتهم دون الانشغال بالمسائل الميتافيزيقية. تدور المسرحية حول العبث، وإلى أي مدى يمكن للناس أن ينجحوا في تجنب مواجهته. إنها مواجهة بين كاليجولا الذي يعي العبث ورعاياه الذين يفضلون أن يتجنبوه.
من الصعب على المرء خلال قراءته للمسرحية أو مشاهدته لها أن يشعر بتعاطف كامل مع كاليجولا أو رعاياه أو نفور تام منهم، وذلك أحد أهداف كامو. يتذبذب القارئ قلقا بين لحظات المشاركة الوجدانية مع ضحايا كاليجولا ومشاعر الاحتقار تجاه نفاقهم. هذا القلق مقصود ليدفع القراء إلى التشكيك في أنفسهم، ومعتقداتهم، وكل ما يعتبرونه من المسلمات، والتي منها الحاجة إلى الشعور بالتعاطف مع إحدى الشخصيات. أحاسيس الاضطراب واللايقين تلك هي أحد تجليات الإحساس بالعبث. استخدم كامو أسلوب الاغتراب هذا على نحو أوضح في «الغريب».
في بداية المسرحية، يمر كاليجولا بأزمة بعد موت أخته (وعشيقته). يصبح كاليجولا ذاهلا، ليس ذلك في معظمه بسبب موتها، بل بسبب إدراكه أن الأسى سيمر. يشعر بحزن شديد بينما يعي في الوقت نفسه أنه سيخفت دون رغبة منه. تقوده تلك التجربة إلى الوعي بعبثية الوجود. يعود كاليجولا إلى روما رجلا مختلفا، مصمما على أن يعلم ذلك الدرس لرعاياه؛ ولذا يبدأ في إساءة معاملتهم دون أي علة.
مسرحية «كاليجولا» مسرحية تربوية: لقد قرر كاليجولا أن يبين عبثية العالم بعد أن أضحى مقتنعا بها. وكانت كل تعاليمه التي تتضمن الاغتصاب، والتعذيب النفسي، والقتل تطبق اعتباطا. على سبيل المثال، في أحد المشاهد، يقتل كاليجولا مواطنا بسبب اشتباه خاطئ، وعلى سبيل التبرير بعدما أدرك خطأه همس قائلا: «عاجلا أم آجلا» مشيرا إلى حتمية الموت. جرائم كاليجولا هي وسائل لإدراك غاية: أراد أن يبين لرعاياه اعتباطية الحياة. وأفعال كاليجولا تجاه رعاياه تشبه إلى حد كبير أفعال كامو تجاه قرائه؛ فهو ينزل عليهم العبث بكل ظلمه وعشوائيته. وأهداف كاليجولا كثيرة. فالمسرحية تتألف من سلسلة من الدروس المستفادة عن عدم جدوى مختلف المعتقدات والقيم التي يتمسك بها رعايا كاليجولا ويعتزون بها. ومستهدفوه الرئيسيون هم الأشراف (أي الأرستقراطيون أو النبلاء، وإن كانوا في النسخة الأولى من المسرحية أعضاء مجلس الشيوخ). إنهم يمثلون بلا شك الطبقة الثرية صاحبة الامتيازات، وأصحاب الأملاك، وإن كانت أكثر أفعال كاليجولا تؤثر على بقية الشعب أيضا.
يطرح أحد تلك الدروس عندما يقرر كاليجولا إجبار الأثرياء على تغيير وصاياهم ليتركوا ثرواتهم إلى الدولة؛ حينها يتعين على الجميع أن يسجلوا أسماءهم في قائمة، ليعدم بعضهم على نحو عشوائي. يشير كاليجولا بوضوح وحدة إلى أن الجميع محكوم عليهم بالموت بأي شكل: القضاة، العامة، هيئة المحلفين، الجميع. يختار كاليجولا أن يتصرف كالآلهة ليبين مدى تعسفهم وقسوتهم. كما يتحدى الآلهة أيضا أن تهلكه، ويرى أن استمرار وجوده دليل على عدم اكتراث الآلهة.
تعبر مسرحية «كاليجولا» عن عدمية محضة لولا ظهور بطل من نوع ما؛ هذا البطل هو شيريا، وهو مثقف من الأشراف يعارض كاليجولا لكنه يرفض أن ينضم إلى مؤامرة قتله. إنه صوت غير متوقع - يجسد المنطقة المعتدلة بين الضحايا السيئي الطباع وبين المستبد الجسور. يفهم شيريا العبث وما يحاول كاليجولا فعله، لكنه ضد العنف وخطابه المعادي للبشر.
أعد كامو نسخا مختلفة من تلك المسرحية، ويزداد دور شيريا أهمية مع كل نسخة. يرتبط حضور شيريا المتنامي بموقف كامو المتغير من العبث ويوازيه. فشيريا يجسد وعي كامو بأن العبث يجب أن يمتزج بشكل من أشكال الأطر الأخلاقية، وإلا فسيكون عدمية خالصة. عدل كامو شخصية شيريا في النسخ اللاحقة ليضيف جملا يعبر فيها عن تصميمه على القتال ضد «فكرة عظيمة سيعني انتصارها نهاية العالم» - في إشارة واضحة إلى القتال ضد النازيين.
بوجه عام، في نسخة عام 1939 الأصلية عندما واجه شيريا كاليجولا، يخبر شيريا إمبراطوره باعتقاده أن بعض الأفعال أجمل من غيرها. يجيب كاليجولا بأن جميع الأفعال البشرية متشابهة، ويرد شيريا «أفهمك وأتفق معك»، أزال كامو تلك الجملة الأخيرة بدلالتها الأخلاقية من نسخة عام 1944. وفي سياق تحرير فرنسا (عندما عرضت المسرحية لأول مرة على خشبة المسرح)، كان على كامو تعديل النسخة الأصلية لكيلا يظهر رد شيريا كمبرر للمستبدين. لكن من عجيب المفارقة أن نسخة عام 1939 الأصلية لم تعرض على المسرح خلال الغزو لنقيض هذا السبب؛ وهو أنها كانت ستبدو هجوما ضمنيا على هتلر.
Unknown page