ولم يدعه يكمل هذه السخافات. أشار إليه أن يصمت، وتطلع إلى المرأة بحب استطلاع حقيقي. لم يكن في حياته قد رأى امرأة مسجونة أو حتى مراقبة، وكان يعتقد أن الواحدة منهن لا بد مجرمة طويلة عريضة تفوح منها القوة، وينضج جلدها شراسة، ولها عين وقحة لا يطفئها الرصاص، وأخرى فيها دهاء الثعالب وسم الأفاعي.
ودهش! فأمامه وعلى الأرض المصنوعة من بلاط كانت تجلس المرأة وقد ضمت أجزاءها الناحلة، ووضعت رأسها بين ركبتيها، بينما راحت عيناها الخابيتان تطلان إليه في وهن القطة الجائعة المتعبة.
وأصيب بخيبة أمل؛ كانت المرأة دودة صغيرة قد التفت حول نفسها لا قوة فيها ولا جبروت، ولا شراسة فيها ولا غدر، ولا يصدر من عينيها إلا استسلام ذليل.
وهز الدكتور مازن كتفيه بعدم اكتراث، وقد فشل في إقناع نفسه بإجرام الدودة التي أمامه. وارتسم على شفتيه الاحتقار. وبنفس الاحتقار هز لها رأسه، وأشار لها بيده أن ترقد وهو يحس في قراره نفسه باشمئزاز مفاجئ.
وحدق برهة في جسدها الأصفر الشاحب، وفي بطنها الذي يتموج الجلد المشوه فوقه، وفي يديها الموضوعتين تحت رأسها، وقد أغلقت عينيها وكأنها في سبات عميق، وكثر اللعاب في فمه وهو يطيل تحديقه.
ولو كان في النهار لما حفل بالكشف عليها، ولكنه الليل ومزاجه المعتدل، وهكذا أخذ يستمع إلى أنفاسها، ويعد نبضات قلبها، وهو حريص كل الحرص على لم معطفه؛ حتى لا يلامسها أو يحف بثيابها.
وسألها في فتور وهو يأمرها بإدارة فمها بعيدا عنه: لماذا سجنوها؟
وكان وهو يسألها يعرف أنها ستنكر وتصر على براءتها، وعلى أنها مظلومة مضطهدة، كلهم مجرمون كذابون، يقتلون القتيل ويمشون في جنازته، ولكن المرأة قالت في هدوء، قالت في هدوء غريب: مسجونة بحشيش.
وخلع الدكتور مازن السماعة عن أذنه كمن لسعه معدنها، وعبر جسدها بنظرة واحدة، وتطلع إليها، ثم عاد إلى كشفه وهو مضطرب يكاد يخاف.
وقال لها: كحي!
Unknown page