ولكنهما قضيا أتعس ليلة.
جدران البيت ظلت تردد نداء واحدا لا ينقطع: ناو، ناو، ناو.
كان الصوت غاضبا أول الأمر، قصيرا رفيعا كالسكين الحادة حين تقطع في الجسد.
وكلما امتد الظلام والسكون كان الصوت هو الآخر يمتد ويطول: ناو، ناو، ناو.
ولم يعد الرجل يحتمل. اقتحم الصالة خارجا ورمى أنيسة التي كانت تروح وتجيء ولا تكف عن النونوة لحظة. رماها بفردة الحذاء، ولم تحاول هي أن تتجنب القذيفة، فأصابتها وأوقعتها، وقامت واستأنفت غدوها ورواحها ولم تسكت، بل أضيفت إلى الناو نغمة جعلتها تبدو أكثر حزنا ووقعها يبدو أكثر مرارة، كما لو كانت السكين التي تقطع في الجسد قد تلمت حافتها، فأصبح صوتها بطيئا قاسيا له أزيز وأنين.
وبدأ الصوت يتغير ويتبدل، ويصيح آي. آي منفردة، وآي متصلة طويلة تكاد تنطق مخارجها وتتجسد حروفها. آهات حقيقية كأنها متصاعدة من صدر آدمي ممزق.
ولم يكن في استطاعة الرجل أن يفعل شيئا. الحذاء ورماها به، وصوته قد بح من الكش فيها ومطاردتها. كان عليه فقط أن يستلقي على الكنبة، ويستمع إلى امتعاضات امرأته وتعليقاتها على نباح القطة.
وقالت له الزوجة بغتة في الظلام: أبو سمير. - ما لك؟! - أنا خايفة. - ليه يا ستي؟ - القطة دي بتبكي زي البني آدمين.
فقال ليفحمها: شورتك.
فأجابت: أمال يعني عايز الولد يموت؟ عايزني أنكبس؟ آه يا ميلة بختي!
Unknown page