ولمست وجهي بيدي فوجدته يتقد، وعضضت بناني فآلمني حتى كدت أصيح جزعا. ولكن ذلك كله لم يزل عني الشك، وبقيت أحسب أنني كنت حالما. ألا يراجع الإنسان نفسه وهو يحلم فيخيل إليه أنه يعض بنانه أو يحرك لسانه أو يلمس وجهه حتى إذا طلع الصباح وجد أن ذلك كان كله حلما؟ أين الحد الذي يفرق بين الأحلام والحقائق؟
وقلت أخرج إلى الناس أسألهم لعل ذلك يهديني، فخرجت أسير نحو بيت صديقي كمال الدين، فلما طرقت الباب سمعت الصوت الذي يهزني. ولما حييت «نجوى» سألت نفسي مرة أخرى: أأنا في يقظة أم لا أزال أهيم مع أشباحي؟ وسمعتها ترحب بي، فكدت أثب إليها وآخذها بين ذراعي لأرى إذا كنت أرى أمامي جسدا أم كل ما أراه صورا وأوهاما.
ولكني تماسكت وقلت إن ذلك لا يجديني شيئا، فلا سبيل إلى برهان قاطع يذهب عني شكوكي، وما الذي يدلنا - معاشر الأحياء - على أن حياتنا هذه كلها ليست سوى صور تمر علينا في حلم مستمر في أوهامنا.
ولاحظت «نجوى» العزيزة اضطرابي، فنادت أخاها، فأقبل كمال الدين علينا فحيا باسما ومد يده إلي فسألته مبادرا: أتستطيع يا صديقي أن تخلو معي ساعة؟
فانصرفت «نجوى»، وقد علت وجهها حمرة زادتها حسنا، فلما صرنا وحيدين قلت له هامسا: أأنا أراك حقا؟ أنحن في يقظة يا صديقي؟ أسمعني صوتك لعله يهديني. ولكن ما جدوى ذلك، فلعل الذي يجيبني ما هو إلا خيال، وما أزال هائما في أحلامي.
فظهر على كمال الدين شيء من الارتياع وأجاب متماسكا: لا بأس عليك يا سيدي.
فقصصت عليه قصة السلطان منذ عرض علي الوزارة إلى أن أرسل إلي يعرض علي زواج ابنته، وقلت آخر الأمر: ولست أجد سبيلا إلى أن أومن أنني لست حالما. فترفق كمال الدين بي وجعل ينصرف بي في شجون الأحاديث، فداخلني ارتياح أعاد إلي اطمئناني وبدا لي أنني قد أكون في يقظة حقا.
وخطرت لي عند ذلك فكرة كأنها كانت من إلهام الحق، فقلت مسرعا حتى لا أجد فرصة للتردد: أتزوجني «نجوى»؟
فنظر كمال الدين إلي في دهشة، ثم رفع يده فربت على كتفي وقال: لا بأس عليك يا سيدي؟ ألا تحب أن تشرب القهوة معي؟
فقلت له جادا: إذا كنت تعرف أنني لست في منام، فأجب عن سؤالي: «أتزوجني «نجوى»؟»
Unknown page