مقدمة
الآداب الإسلامية الشخصية
يهدف الإسلام في تشريعاته إلى خلق إنسان متوازن في جميع نواحيه النفسية والروحية والمادية، وقد خص جانب طمأنينة النفس الإنسانية بقدر كبير من التشريعات المتمثلة في الأذكار المتعلقة بجميع أنشطة المسلم وممارساته اليومية والحياتية، ذلك أن انشغال الفكر بالهموم المادية والمعنوية، وتشتت العقل تحت تأثير القلق من المستقبل ومن مختلف أحداث الحياة، كل هذه الوساوس والأفكار تعصف بالإنسان وتجعله تحت ضغط نفسي كبير يحد من نشاطه ويقلل من فعاليته في مواجهة مشكلاته.
لذا اهتم الإسلام بالإعداد النفسي للإنسان بأن شرع للمسلم جملة من الأذكار التي تربطه بالله تعالى وتحقق دافعا معنويا ونفسيا قويا للملتزم بها كما قال تعالى: ﴿أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ وقد أدرك ديل كارنيجي هذه الحقيقة فقال: (إن أطباء النفس يدركون أن الإيمان القوي والاستمساك بالدين كفيلان بأن يقهرا القلق والتوتر العصبي وأن يشفيا هذه الأمراض. .) .
1 / 1
لكل هذه الأسباب عني الرسول ﷺ بربط المسلم بالأذكار المتعلقة بالآداب الشخصية أو السلوك الشخصي للمسلم. وعندما يلتزم بهذه الأذكار ويعمل بكل التوجيهات النبوية الواردة يجد في نفسه لذة الطاعة، وراحة النفس إضافة إلى الثواب الجزيل من الله تعالى، وفوق ذلك كله قوة الارتباط بالله تعالى.
1 / 2
دخول المنزل والخروج منه
أولا: آداب دخول المنزل والخروج منه
ينظر الإسلام للمنزل باعتباره مكانا يأوي إليه الناس ليجدوا فيه الراحة والأمن والطمأنينة ومن ثم فقد شرع للدخول والخروج منه آدابا يتحقق معها كل ذلك. ومن تلك الآداب: -
أ- إلقاء السلام: وذلك لأن السلام هو تحية أهل الجنة، قال تعالى: ﴿دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ﴾، بل سمى الله تعالى الجنة دار السلام، لما في السلام من الراحة والطمأنينة، حيث إن السلام يحمل في طياته كل الخير وإلا لما كان جزاء أهل الجنة، قال تعالى: ﴿لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ لذا كان من الآداب لمن يدخل بيته أن يسلم، حتى لو لم يكن في البيت غيره، قال الله تعالى: ﴿فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً﴾ .
1 / 3
وكيفية السلام أن يقول: (السلام عليكم ورحمة الله وبركاته) ويجاب عليه بـ (وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته) بصيغة الجمع كذلك، كما ورد في حديث عائشة ﵂ قالت: قال لي رسول الله ﷺ: «هذا جبريل يقرأ عليكم السلام قالت: وعليه السلام ورحمة الله وبركاته» . وروى البخاري في الأدب المفرد عن جابر ﵁: «إذا دخلت على أهلك فسلم عليهم تحية من عند الله مباركة طيبة» . قال: ما رأيته إلا توجيه قوله: ﴿وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا﴾
ب- ذكر الله تعالى: فينبغي لداخل البيت أن يسمي الله تعالى، لأن الشيطان لا بقاء له مع اسم الله تعالى. وإذا كان المنزل يراد منه أن يكون مكانا للراحة والطمأنينة، فلا يمكن أن يحصل ذلك مع بقاء الشيطان الذي يسعى لإضلال بني آدم، قال تعالى: ﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا﴾ ولكن أخبر الله سبحانه بأن السلاح الذي يواجه به هذا العدو هو ذكره ﷾: ﴿وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾
1 / 4
وفي الحديث عن جابر ﵁ أنه سمع النبي ﷺ يقول: «إذا دخل الرجل بيته فذكر الله ﷿ عند دخوله وعند طعامه قال الشيطان: لا مبيت لكم ولا عشاء، فإذا دخل ولم يذكر الله قال: أدركتم المبيت، وإن لم يذكر الله عند طعامه قال الشيطان: أدركتم المبيت والعشاء» وقد علمنا رسول الله ﷺ ذكرا لدخول المنزل وهو: «اللهم إني أسألك خير المولج وخير المخرج، باسم الله ولجنا وباسم الله خرجنا، وعلى الله ربنا توكلنا» وأما إذا أراد الإنسان أن يخرج من بيته فليسلم على أهله، ثم يخرج متزينا متسترا، ثم يذكر دعاء الخروج من المنزل وهو: «باسم الله آمنت بالله واعتصمت بالله، وتوكلت على الله، اللهم إني أعوذ بك أن أضل أو أضل، أو أزل أو أزل، أو أظلم أو أظلم، أو أجهل أو يجهل علي» وعن أنس ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: «من قال - يعني إذا خرج من بيته - باسم الله، توكلت على الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، يقال له: كفيت ووقيت وهديت، وتنحى عنه الشياطين» وفي رواية أبي داود: «فيقول- يعني الشيطان- لشيطان آخر: كيف لك برجل قد هدي وكفي ووقي؟»
1 / 5
١- آداب الطعام:
أ- غسل اليدين قبل الطعام وبعده: لما ورد عن سلمان الفارسي ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: «بركة الطعام الوضوء قبله والوضوء بعده» وعن أنس ﵁ قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «من أحب أن يكثر خير بيته فليتوضأ إذا حضر غذاؤه وإذا رفع» ولا يخفى ما في ذلك من الفوائد الصحية، بالإضافة إلى إبعاد الشيطان الذي يشارك الإنسان في كل شيء مما يقلل البركة.
ب- التسمية في أول الطعام والحمد في آخره: لما ورد في حديث عمر بن أبي سلمة ﵁ قال: قال لي رسول الله ﷺ: «سم الله وكل بيمينك، وكل مما يليك» فإذا نسي الشخص أن يذكر اسم الله بعد أن شرع في الأكل فليقل «بسم الله أوله وآخره» كما ورد في حديث عائشة ﵂ وعن أبي أمامة ﵁ «أن النبي ﷺ كان إذا رفع مائدته قال: الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، غير مكفي، ولا مستغنى عنه ربنا»
1 / 6
ج- ألا يعيب طعاما قدم إليه: لما رواه أبو هريرة ﵁ قال: «ما عاب رسول الله ﷺ طعاما قط، إن اشتهاه أكله، وإن كرهه تركه» . وذلك لما في إعابة الطعام من الكبر والرعونة والترف، وما في ذمه من احتقار للنعمة التي ينبغي أن تصان بحمد الله وشكره،والقناعة بالقليل منها: ففي حديث جابر ﵁ «أن النبي ﷺ سأل أهله الأدم فقالوا: ما عندنا إلا خل، فدعا به، فجعل يأكل ويقول: نعم الأدم الخل، نعم الأدم الخل»
د- أن يأكل بيمينه ومما يليه: لما ورد عن عمر بن أبي سلمة ﵄ قال: «كنت غلاما في حجر رسول الله ﷺ، وكانت يدي تطيش في الصحفة،فقال لي رسول الله ﷺ: يا غلام، سم الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك»
هـ- ألا يأكل متكئا: عن أبي جيفة وهب بن عبد الله ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: «لا آكل متكئا» وذلك لما فيه من الضرر الصحي وظواهر الكبر والتعالي.
1 / 7
واستحباب التحدث على الطعام: لحديث جابر الذي سبق إيراده حين «سأل ﷺ عن الأدم فقالوا: ما عندنا إلا خل، فدعا به، فجعل يأكل منه ويقول: نعم الأدم الخل»، كما صح عنه ﷺ أنه كان يتحدث إلى أصحابه وهو يأكل على المائدة في أكثر من مناسبة.
ي- استحباب لعق الأصابع بعد الأكل: (لما ورد في حديث ابن عباس ﵄: «إذا أكل أحدكم طعاما فلا يمسح أصابعه حتى يلعقها» وفي حديث جابر ﵁ - «أن رسول الله ﷺ أمر بعلق الأصابع والصحفة وقال: إنكم لا تدرون في أي طعامكم البركة»
ز- ألا يبدأ بالطعام قبل من هو أكبر منه: لما رواه مسلم عن حذيفة ﵁ قال: «كنا إذا حضرنا مع الرسول ﷺ طعاما لم نضع أيدينا حتى يبدأ رسول الله ﷺ فيضع يده» .
ح- أن يدعو لمضيفه إذا فرغ من الطعام: - لما روي عن أنس ﵁ «أن النبي ﷺ جاء إلي سعد بن عبادة ﵁ فجاء بخبز وزيت فأكل ثم قال النبي ﷺ: (أفطر عندكم الصائمون، وأكل طعامكم الأبرار، وصلت عليكم الملائكة)» .
1 / 8
٢- آداب الشراب:
أ- التسمية والحمد والشرب ثلاثا: لما ورد عن ابن عباس ﵄ قال: قال رسول الله ﷺ: «لا تشربوا واحدا كشرب البعير، ولكن اشربوا مثنى وثلاث، وسموا إذا أنتم شربتم، واحمدوا إذا أنتم رفعتم» أي انتهيتم من الشرب.
ب- كراهية الشرب من فم السقاء: لما روى أبو هريرة ﵁ -: «نهى رسول الله ﷺ أن يشرب من في السقاء أو القربة» ولا يخفى ما في ذلك من الفوائد الصحية حيث لا يرى الإنسان ما بداخل السقاء، فقد يوجد فيه ما يضره فينساب إلى بطنه، وكذلك قد ينزل من فمه هو بالماء فيضر بالآخرين، كما أن النفس تعاف هذا الشرب.
ج- كراهية النفخ في الشراب: لما ورد عن ابن عباس ﵁: «أن الرسول ﷺ، نهى أن يتنفس في الإناء أو أن ينفخ فيه»
1 / 9
د- استحباب الأكل والشرب في حالة الجلوس: لما روى أنس ﵁ عن النبي ﷺ «أنه نهى أن يشرب الرجل قائما، قال قتادة: فقلنا لأنس: فالأكل؟ قال: ذلك أشر» أما ما صح عنه ﷺ أنه شرب قائما فلبيان الجواز، كأن يكون الشارب في حالة يكون الشرب قائما أفضل من الشرب جالسا كشربه ﵊ من ماء زمزم تحقيقا لمبدأ اليسر ورفع الحرج.
هـ- النهي عن الشرب من آنية الذهب والفضة: لما رواه مسلم: «من شرب في إناء من ذهب أو فضة فإنما يجرجر في بطنه نارا من جهنم» وذلك لما يسببه استعمال هذه الآنية من جرح لكرامة الفقراء والمساكين، ولما فيه من مظاهر الكبر والاستعلاء.
والنهي عن ملء المعدة في الأكل والشرب: لقوله ﷺ: «ما ملأ ابن آدم وعاء شرا من بطنه: بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه. فإن كان لا بد فاعلا، فثلث لطعامه وثلث لشرابه، وثلث لنفسه» وقد ذكر العلماء أضرارا كثيرة للشبع وملء البطن من الناحية الصحية وغيرها مثل: قسوة القلب، والتجرؤ على المعاصي، وعدم الشعور بحاجة الآخرين، والتبلد الى غير ذلك مما لا يسع المجال لذكره.
1 / 10
ز- استحباب أن يكون ساقي القوم آخرهم شربا: لما في حديث قتادة ﵁: «ساقي القوم آخرهم» يعني (آخرهم شربا)
ح- الشرب باليمين: لما أوردناه من الأدلة في فضل اليمين والبدء بها في الأمور المحمودة من أكل ولباس ودخول مسجد ونحو ذلك. والشرب كالأكل. وقد ورد في أدلة أخرى أن الشيطان يأكل ويشرب بشماله، ولذا كان النهي عن الأكل أو الشرب بالشمال.
ط- أن يشرب القوم الأيمن فالأيمن: لما ورد في حديث أنس ﵁: «أن رسول الله ﷺ أتي بلبن قد شيب بماء، وعن يمينه أعرابي، وعن يساره أبو بكر ﵁ فشرب، ثم أعطى الأعرابي، وقال: (الأيمن فالأيمن)»
1 / 11
فتبين من هذا الحديث أن السنة في تقديم الشراب والضيافة وغيرها أن يبدأ بأجلّ من في المجلس، ثم من على اليمين وهكذا. وإن تساوى من في المجلس يبدأ بمن على يمين المضيف، وإن كان أحدهم قد طلب ماء فيبدأ به ثم بمن على يمينه، وإن كان من على اليسار في جميع الحالات أفضل من غيره. وورد في حديث آخر ما يدل على جواز استئذان صاحب الحق بتقديم غيره عليه إن كان له فضل عليه وعلم أنه لا يتأذى من هذا الاستئذان حيث استأذن رسول الله ﷺ ابن عمه عبد الله بن عباس ﵄ أن يقدم عليه أشياخا كانوا على يسار النبي ﷺ. ولم يستأذن الأعرابي في الحديث الآخر لأن الأعرابي كان حديث عهد بالإسلام، وربما تأذى من ذلك.
1 / 12
العطاس والتثاؤب
ثالثا: -آداب العطاس والتثاؤب:
أ- التقيد بألفاظ الحمد والرحمة والهداية كما ثبت في السنة: لما روى أبو هريرة ﵁ قال: «إذا عطس فليقل: الحمد لله. فإذا قال، فليقل له أخوه أو صاحبه: يرحمك الله. فإذا قال له: يرحمك الله، فليقل: يهديك الله ويصلح بالك»
ب- لا يشمت العاطس إذا لم يحمد الله: (لما رواه أبو هريرة ﵁ قال: «كنا جلوسا عند رسول الله ﷺ فعطس رجل فحمد الله، فقال له رسول الله ﷺ: (يرحمك الله) ثم عطس آخر فلم يقل له شيئا، فقال: يا رسول الله! رددت على الآخر ولم تقل لي شيئا؟ قال (إنه حمد الله، وسكت» ولا بأس أن يذكره بعض الحاضرين بالحمد، ليتذكر العاطس حمد الله بعد عطاسه.
1 / 13
ج- وضع اليد أو المنديل على الفم، والتخفيض من الصوت ما أمكن: لما روى أبو هريرة ﵁ قال: «كان رسول الله ﷺ إذا عطس وضع يده أو ثوبه على فمه، وخفض أو غض- بها صوته» وفي ذلك من الفوائد ما لا يخفى، حيث فيه كف للأذى عن الآخرين، وعدم نشر العدوى، وعدم نشر الضوضاء والتشويش على الآخرين لا سيما في الأماكن العامة.
د- إذا كان العطاس بسبب مرض: عن إياس بن سلمة قال: حدثني أبي قال: «كنت عند النبي ﷺ فعطس رجل فقال: يرحمك الله ثم عطس أخرى فقال النبي ﷺ (هذا مزكوم)» وعن أبي هريرة ﵁ قال: «شمته واحدة واثنتين وثلاثا، فما كان بعد هذا فهو زكام» وقد ورد أنه يقول له في الثالثة أو بعدها (شفاك الله)
هـ- تشميت غير المسلم بـ: يهديكم الله: عن أبي موسى الأشعري ﵁ قال: «كان اليهود يتعاطسون عند النبي ﷺ رجاء أن يقول لهم: يرحمكم الله. فكان يقول (يهديكم الله ويصلح بالكم)»
وآداب التثاؤب: -فآدابه تتمثل في الآتي: -
1 / 14
١ / رد التثاؤب ما استطاع: لما روي البخاري عن أبي هريرة ﵁ عن النبي ﷺ أنه قال «إذا تثاءب أحدكم فليكظم ما استطاع»
٢ / وضع اليد على الفم إذا ملكه التثاؤب: لما رواه أبو سعيد عن النبي ﷺ قال: «إذا تثاءب أحدكم فليضع يده بفيه، فإن الشيطان يدخل فيه»
ج- كراهية رفع الصوت عند التثاؤب:
حيث يروى فيه أن الرسول ﷺ قال: «إن الله ﷿ يكره رفع الصوت عند التثاؤب والعطاس»
1 / 15
رابعا آداب الخلاء
دخول الخلاء رابعا: آداب الخلاء
أ- ذكر الله:
1 / 16
من أهم الآداب، أن يذكر الإنسان ربه قبل دخوله موضع قضاء الحاجة حيث قد أخبر الرسول الكريم ﷺ أن مواضع قضاء الحاجة يوجد فيها الشياطين، ولهذا قال فيما رواه الترمذي عن زيد بن الأرقم ﵁ ; «إن هذه الحشوش محتضرة، فإذا دخل أحدكم الخلاء فليقل: اللهم أني أعوذ بك من الخبث والخبائث» وورد في الصحيحين عن أنس ﵁ أن الرسول ﷺ كان يقول ذلك الدعاء عند دخوله الخلاء قال ابن حجر ﵀: كان ﷺ يستعيذ إظهارا للعبودية، ويجهر بها للتعليم. وذكر الله تعالى-كما ذكرنا- لا يدع مجالا للشياطين أن تتسلط على الإنسان كما ورد في حديث علي ﵁ أن النبي ﷺ قال: «ستر ما بين أعين الجن وعورات بني آدم إذا دخل الكنيف أن يقول بسم الله» قال الإمام النووي ﵀: (قال أصحابنا: ويستحب هذا الذكر سواء كان في البنيان أو في الصحراء. وقال أصحابنا ﵏: يستحب أن يقول أولا: «بسم الله» ثم يقول «اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث» ويقول عند خروجه: «غفرانك» أو «الحمد لله الذي أذاقني لذته، وأبقى فيّ
1 / 17
قوته، ودفع عني أذاه» أي: أذاقني لذة الطعام وأبقى في قوته ونفعه وأذهب عني ما يضر ويؤذي.
ب- الدخول بالرجل اليسرى والخروج باليمنى:
وذلك لورود البدء بالتيامن فيما هو شريف، والبدء بالتياسر فيما هو دنيء.
ج- عدم اصطحاب شيء فيه ذكر الله بشكل ظاهر:
لما روى أصحاب السنن عن أنس ﵁ قال: «كان رسول الله ﷺ إذا دخل الخلاء وضع خاتمه،وكان منقوشا عليه محمد رسول الله»
د- الابتعاد عن الذكر والكلام:
فيكرهان في حالة قضاء الحاجة سواء كان في الصحراء أو في البنيان، وسواء في ذلك جميع الأذكار والكلام، إلا كلام الضرورة.
هـ- عدم قضاء الحاجة في ظل الناس وطريقهم وأماكن جلوسهم:
وذلك لقوله ﷺ: «اتقوا اللاعنين الثلاث: البراز في الموارد، وقارعة الطريق، والظل» وفي رواية: «اتقوا اللاعنين، قالوا: وما اللاعنان يا رسول الله؟ قال: الذي يتخلى في طريق الناس أو في ظلهم» ولا يخفى ما في هذا الهدي النبوي من المحافظة على صحة الإنسان والحيوان بل وحتى النبات، فكان الإسلام بذلك قد وضع الأسس القوية لما يعرف اليوم بصحة البيئة.
1 / 18
والاستبراء من البول، وتجنب النجاسة حتى لا تصيب الثوب أو البدن:
وذلك لأن عامة عذاب القبر من عدم الاستبراء من البول كما ورد في حديث أبي هريرة ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: «استنزهوا من البول فإن عامة عذاب القبر منه» ويكون تجنب النجاسة بعدم التبول في مهب الريح لئلا ترد البول عليه، وكذلك الأرض الصلبة. كما يجب رفع الثياب حتى لا تصيبها النجاسة.
ز- عدم الاستنجاء باليمين:
لما جاء في الصحيحين عن أبي قتادة ﵁ أن النبي ﷺ قال: «إذا بال أحدكم فلا يأخذ ذكره بيمينه، ولا يستنج بيمينه، ولا يتنفس في الإناء» وذلك إكراما لليمين، فهي للأمور الشريفة كالأكل والشرب. أما الشمال فهي للدنايا كالاستنجاء، والامتخاط وما شابه ذلك.
ح- عدم استقبال القبلة أو استدبارها:
لما روى البخاري ومسلم عن أبي أيوب الأنصاري ﵁ أن النبي ﷺ قال: «إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها، ولكن شرقوا وغربوا»، قال أبو أيوب: فقدمنا الشام، فوجدنا مراحيض قد بنيت نحو الكعبة، فننحرف عنها، ونستغفر الله)
1 / 19
ط- غسل اليدين بالماء والصابون بعد الخروج من الخلاء:
لما ورد عن جرير بن عبد الله ﵁ قال: «كنت مع النبي ﷺ، فأتى الخلاء، فقضى الحاجة، ثم قال: يا جرير هات طهورا، فأتيت بالماء، فاستنجى، وقال بيده، فدلك بها الأرض» حيث يقوم الصابون اليوم مقام الدلك بالتراب لأن الغاية هي الطهارة وإذهاب النجاسة وآثارها، وهو حاصل بالصابون. مع عدم إغفال فائدة التراب في هذا الجانب، حيث يمكن أن يقوم بهذا الدور عند عدم وجود صابون.
كل تلك الآداب التي أوردناها توضح لنا مدى سمو الإسلام ورقيه وهو يهذب المؤمن ويؤدبه ليجعله وعاء نقيا لاستيعاب تعاليم الإسلام وأحكامه وتطبيقها حق التطبيق، ومن ثم يأخذ الناس من القدوة الحسنة، فالإسلام هو الرائد في ذلك، وآدابه تختلف عن غيره لأنها تقوم على أساس ديني يراقب المؤمن فيه ربه، فيلتزم بتلك الآداب في كل أحواله، لا سيما فيما نحن بصدده الآن، حيث يكون الإنسان لوحده لا يراه إلا خالقه ﷾.
1 / 20