64

(4) والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون (5) أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون

للمتقين وجيء بواو العطف استلفاتا الى فضيلة هذه الصفة فإن التعداد بالعطف يمثل للذهن كلا من الصفات مستقلة بمزاياها لا كما إذا طردت من غير عطف. ألا ترى ان الذهن يجد من الرونق للصفات في قولهم جاء الرجل العالم والصالح والكريم والشجاع ما لا يجده في قولهم جاء الرجل العالم الصالح الكريم الشجاع ( يؤمنون بما أنزل إليك ) من الوحي من الكتاب وغيره ويذعنون بأنه منزل من الله على رسوله رحمة للعباد ولطفا منه فيظهر عليهم بذلك شعار الإيمان به ( وما أنزل من قبلك ) على الرسل والأنبياء حسب ما يحصل لهم من اسباب العلم بإنزاله. واظهر الأسباب في ذلك اخبار القرآن الكريم والرسول المصطفى به. وذلك من الإيمان بالغيب لأنهم لم يشاهدوا آية ومعجزة من أولئك الأنبياء الماضين ( وبالآخرة ) التي ذكرها القرآن وما فيها وعرفتهم أنت بذلك في بشراك وإنذارك ( هم يوقنون ) ويرونها بإيمانهم بالغيب حق اليقين كان ذلك رأي العين. وصيغة المضارع في يوقنون تدل على ثبات اليقين ودوامه وهو الذي تظهر سيماؤه في دوام الطاعة والرهبة من سخط الله وعقابه والرغبة في رضا الله وثوابه الذي اعده في الآخرة للصالحين. وهؤلاء المتصفون بهذه الصفات بالآخرة هم يوقنون لا من يكذبها باعتقاده وقوله. او يصورها بتكلف اعتقاده بها على خلاف ما جاءت به رسل الله وكتبه. او من كانت سيرته في أعماله السيئة وتفريطه في الطاعات تمثل ضعف إيمانه بالآخرة وإن غفلاته عنها في أعماله وتروكه تكاد أن تأتي على ما يتكلفه من الاعتقاد بها والعياذ بالله. وبعد التنويه بصفات المتقين المهتدين بالكتاب جاءت البشرى بكرامة مقامهم وربح تجارتهم فقال الله في شأنهم 5 ( أولئك ) مستقرون ( على هدى من ربهم ) وتوفيق وتسديد إذ كانوا بإيمانهم وإقبالهم على الطاعة أهلا لذلك ( وأولئك هم المفلحون ) دون غيرهم أما في الدنيا فبراحة ما استشعروه من القناعة وتقدير النعم وشكرها وفضيلة الرضا بأمر الله والتسليم لحكمته وراحة الهدوء والصلاح وحسن الأخلاق. وأما في الآخرة فبفلاح النعيم المقيم. وبمناسبة حال الكتاب في هداه مع المتقين الموصوفين وما لهم من الاهتداء والفلاح ذكر الله لرسوله حال بعض الكافرين بأنهم في تماديهم بالغي على الكفر والتمرد لا يجدي معهم إنذارك ولا يؤمنون

Page 65