Al-Walaa wal-Baraa Bayna Al-Ghulu wal-Jafaa fi Daw' al-Kitab wa al-Sunnah
الولاء والبراء بين الغلو والجفاء في ضوء الكتاب والسنة
Publisher
الكتاب منشور على موقع وزارة الأوقاف السعودية بدون بيانات
Genres
وقد عقد الإمام القرافي فصلًا لبيان الفرق بين الأمر بعدم موالاة الكفار والأمر ببر أهل الذمة منهم والإحسان إليهم، قال فيه ﵀: " وإذا كان عقد الذمة بهذه المثابة تعيَّن علينا أن نبرهم بكل أمر لا يكون ظاهره يدل على مودات القلوب، ولا تعظيم شعائر الكفر، فمتى أدى إلى أحد هذين امتنع، وصار من قبيل ما نُهي نهى في الآية وغيرها" (١) ثم فصل كلامه بذكر بعض الأمثلة. ويلحظ أن القرافي أطلق في مواطن أنّ المحرَّم هو الوُدُّ الباطن، وإن كان سياق كلامه يدل على مقصوده. وهذا أوانُ تحرير هذه المسألة، وهو من مُكمِّلات بيان سماحة معتقد الولاء والبراء.
ذلك أن الحُبَّ القلبي لغير المسلمين ليس شيئًا واحدًا، فمنه ما ينقض (الولاء والبراء) من أساسه، ويَكْفُرُ صاحبُه بمجرّده. ومنه ما يَنْقُصُ من (الولاء والبراء) ولا يَنْقُضُهُ، فيكون معصيةً تَنْقُصُ الإيمانَ ولا تنفيه. ومنه مالا يؤثر في كمال الإيمان وفي معتقد (الولاء والبراء)، لكونه مباحًا من المباحات.
أمّا الحبّ القلبيُّ الذي يَنْقُضُ (الولاء والبراء) وينفي أساسَ الإيمان: فهو حُبُّ الكافر لكُفْره.
وأمّا الحبُّ القلبي الذي لا يصل إلى حدّ النَقْض، لكنه يُنْقِصُ الإيمانَ، ويدل على ضعفٍ في معتقد (الولاء والبراء)، فهو: محبّة الشخص (كافرًا أو مسلمًا) لِفسْقِه أو لمعصيةٍ يقترفها. فهذا إثمٌ ولا شك، ولكنه لا يصل إلى درجة الكفر لكونه لا ينافي أصل الإيمان؛ إذْ لايزال في المسلمين من يحبّ المعاصي ويقترفها، ولم يكفّرهم أحدٌ من أهل السنة. وهذا الحبّ قد يكون كبيرة من كبائر الذنوب، وقد لا يكون كذلك، بحسب حال المحبوب ومعصيته، فمن أحبّ محبوبًا لارتكابه الكبائر، فهذا الحب كبيرة، ومن أحبّه لصغيرة يرتكبها، فلا يزيد إثمه على إثم من ارتكبها. وهذا التقرير واضح الالتئام، بيِّنُ المأخذ، بحمد الله تعالى.
_________
(١) الفروق للقرافي (٣ / ١٥-١٦) .
1 / 14