47

Al-Wajīz fī fiqh al-Imām al-Shāfiʿī

الوجيز في فقه الإمام الشافعي

Editor

علي معوض وعادل عبد الموجود

Publisher

شركة دار الأرقم بن أبي الأرقم

Edition Number

الأولى

Publication Year

1418 AH

Publisher Location

بيروت

كلاماً واعياً فاحصاً عن عقيدةِ الإسْلام، والمباحِثِ الكلاميّة، وصفاتِ الله تعالَى، ومعجزاتِ الأنْبيَاءِ، والتَّكْلِيفَاتِ الشَّرْعِيَّة، وإثباتِ الثَّوابِ والعِقَابِ، والبَرْزَخ والميعَادِ، والجَبْر والاختيارِ، والقضاءِ والقَدَر، وغيْرِهَا من مباحثِ علْمِ الكلامَ. وأقام علَى كلِّ هذه الحقائق كثيراً من المقدِّمات، والدَّلائلِ الجديدَةِ الَّتِي تُورِثُ الإذْعَانَ، وتفتحُ القَلْبَ للإيمان، وأنه لم يُسْبَقْ إليها.

وهو من خلال ذَلِك يَعْدِلُ عن تشْكيكَات المتكلِّمين، ومقدِّمَاتهم المنطقيَّة إلَى أُسْلُوبٍ واضحٍ صَافٍ، ورؤْيَةٍ جديدةٍ فاحصَةٍ وشاملَةٍ.

غير أنَّ كثيراً من مباحثِهِ الكلامية أُعتَبَرَهَا الأشَاعِرَةُ خروجاً عن مذْهَب الأشعريِّ، وعلَيْه فقد آَتْهَمُوهُ بالَّيْغِ والضَّلاَل، والانحرافِ في العقيدة.

ولا سيَّما قد شاعَتْ هذه الاتهاماتُ بعد تألِيفِه كتَابَهُ( إحيَاء عُلُومِ الدِّين)، وشيوعه في الأمصار، وهو يشتملُ على جزءٍ كبيرٍ من مباحِثِهِ الكلامِيَّة.

وقد كتب بعْضُ تلاميذ الغَزَّالِيِّ إلَيْهِ يصفُ له هذه الاعتراضَاتٍ، ويظهر له حُزْنَهُ لما نُسِبَ إليه من التشكُّك في عقيدَتِهِ، وقد أجاب على ذلك الإمَامُ الغَزَّالِيُّ في كتابه الشَّهيرِ( فَيْصَلِ التَّفْرِقَة بَيْنَ الإسْلاَمِ والزَّنْدَقَة)؛ حيثُ رَدَّ فيه علَى هؤلاءِ المتشِّككين، وذكَرَ دوافِعَهُمْ، وسَبَبَ إنكارِهِمْ علَيْه ومخالَفَتِهِمْ، ويوضح مدى تفْكِيرِهِمُ الضَّيِّق، وأَقْتِصَارِهِمْ عَلَىْ فُرُوعِ المَسَائِلِ ممَّا أدَّى إلى تسْطيحِ عقولهم ونحدیدِها.

يقولُ الإمامُ الغَزَّاليُّ:

(أمَّا بعدُ، فَإِني رأيتك أيُّها الأخُ الشقيقُ، والصَّدِيقُ المتعصِّب، مُوَغرَ الصدْرِ، ومقسّم الفكْرِ، لِمَا فَرِغَ سمْعُكَ من طعْنِ طائفةٍ من الحَسَدَة عَلَى بعض كتبِنَا المصنَّفة في أسرار معاملاتِ الدِّين، وزعمهم أنَّ فيها ما يخالِفُ مذهب الأصْحَاب المتقدِّمين، والمشايخ المتكلِّمين، وأنَّ العدولَ عن مَذْهَب الأشعريِّ، ولو في قِيدِ شِبْرٍ كُفْرٌ، ومباينتَهُ، ولو في شَيْءٍ نَدْرٍ ضَلَاَلٌ وخُسْر، فهَوِّن، أيها الأخ المشْفِقُ المعصب علَى نفسك، لا تضيّق به صدرك، وخلِّ من عزمك قليلاً، وأصْبر على ما يقولُونَ وأهجُزْهم هجراً جميلاً، واستحقِرْ من لا يُحسَدُ ولا يُقْذَفُ، واستصْغِرْ من بالكفر أو الضَّلال لا يُعْرَف، فأيَّ داعٍ أكملُ وأعقلُ من سيِّد المرسَلِينَ - صلى الله عليه وسلم - وقَدْ قالوا: إنَّه مجنونٌ من المجانِين، وأيُّ كلّمٍ أصدقُ من كلامِ ربِّ العالمين؟ وقَدْ قالوا: إنه أساطيرُ الأوَلين، وإياك أن تشتَغِلَ بخصامهم، وتطمَعَ في إفحامهم، فتطمَع في غَيْرِ مَطْمَع، وتُصَوّت في غَيْرِ مَسْمَع، أمَا سَمِعْتَ ما قيل: [البسيط].

كُلُّ العَدَارةِ قَدْ تُرجَىْ سَلاَمَتُهَا إلَّا عَدَاوَةَ مَنْ عَادَاكَ عَنْ حَسَدٍ

ثم يقولُ الغَزَّالِيُّ بَعْدَ ذلِكَ مخاطِباً تلميذَهُ:

(( فخاطِبْ نَفْسَكَ وصاحِبَكَ، وطالِبْهُ بِحَدِّ الكُفْر، فإنْ زعَمَ أنَّ حدَّ الكُفْرِ ما يخالفُ مَذْهَب الأشعريِّ، أو مذْهَبَ المعتزليّ، أوْ مذْهَبَ الحنبليِّ أو غيرهم، فإنه غِرّ بليدٌ، قد قيَّده التقليد، فهو أعمَى من العميانِ، فلا تضيِّع بإصلاحِهِ الزَّمَان، وناهيك حجَّةً في إفحامه مقابلةُ دعواه بدَغْوَى

47