Al-Wajiz fi Fiqh al-Imam al-Shafi'i
الوجيز في فقه الإمام الشافعي
Investigator
علي معوض وعادل عبد الموجود
Publisher
شركة دار الأرقم بن أبي الأرقم
Edition Number
الأولى
Publication Year
1418 AH
Publisher Location
بيروت
Genres
استوعَبَ كلَّ ذلك - ذا ثقافةٍ عاليةٍ، وأَفُقٍ واسعٍ، وعلْمٍ عظيمٍ.
ولقد أوْرَثْنَا الغَزَّالِيُّ ثروةً طائلةً من العلومِ والمعرفةِ، ينوء بحَمْلِهَا العلماءُ، وتنحني لَهَا الجِبالُ الشُّمُّ الرواسخُ، هذه الثروةُ الفريدةُ التي تنطقُ بالنُّضْجِ والعبقريَّة، ويظهر فيها - بوضوحٍ - أكتمالُ شخصيَّةِ الغَزَّاليِّ العلميَّة أعظمَ أكتمالٍ.
ولقد أثمرَتْ هذه الثقافاتُ الواسِعَةُ التي احتضَنَها الغَزَّالِيُّ بين جوانِحِهِ، وحملها طِيلَةَ حياته في صَدْره، وأنتجَتْ مؤلّفاتٍ ومصنفاتٍ، تَشْرُفُ الأوراقُ بِذِكْرِ مؤلِّفها، ويَعْبَقُ الوجودُ بِرَيَّا مستنطقها.
ومِنْ هنا بَلَغَ الإِمامُ الغَزَّالِيُّ مرتبةً سامقةً، ومنزلةً علميَّةً رفيعةً، ومكانةً مرموقةً، وتتضحُ هذه المكانةُ في جلاءِ بتميُّزه في الآفاقِ الثقافيّةِ التي حلَّقَ الغَزَّالِيُّ في أجوائِها، وفي آثارِهِ وإنتاجِهِ في شتَّى فنونِ المعْرفَةِ والعُلُوم وقد ارتكزتْ ثقافةُ الغَزَّالِيِّ الواسعةُ عَلَى تَلْكِ الكُتُب والمؤلّفات العِلْمِيَّة التي طالَعَها، وعَكَفَ عليها سنينَ عديدَةً، وارتكزتْ علَىْ رِحْلاَتِهِ في شتَّى البِقَاعِ والبُلْدَانِ، وتَلْمَذَتِهِ علَىَ يدِ كثيرٍ مِنْ أئمَّةِ العِلْمِ والدِّينِ.
بَيْدَ أَنَّ الإمامَ الغَزَّالِيَّ كان مجتهداً في تحصيل هذه العُلُوم، مقبلاً على أساتذَتِهِ في نَهَمٍ وتَعَطُّشٍ، سَرِيَّ الْهِمَّةِ في البَحْثِ والتَّدْقِيقِ والتَمْحِيصِ.
ومن الحقِّ الذي لا مِرَاءَ فيه؛ أن إمامَنَا الغَزَّالِيَّ، قد بلغ الغاية القصوى، في كلِّ ما وضع فيه قَلَمَهُ، أو اختطَّ بَنَانُهُ، حتى إنَّه أصبح إماماً من أئمّة الدنيا، وَرَجُلاً من رجالاتِها المعدُودِينَ، وَعَلَماً من أعلامِها المُبَرِّزِين.
وليْسَتْ هذه الحقيقةُ خَبْطَ عشْوَاءَ، فَقَدْ أجْمَعَ كلُّ من ترجَمَ لهذا الإمام العظيم؛ أنَّه كان واسِعَ المَعْرِفَةِ، متفنّناً في العلوم، وأنَّ ريادَتَهُ كانَتْ ذاتَ جوانِبَ متعدِّدةٍ، وآفَاقٍ كثيرةٍ؛ إذْ له في كلٌّ عِلْمٍ عَلَمٌ، وفي كل معرِفٍ يدٌ وقَدَم، ولعلَّ أكبر دليلٍ يعضّد ما قلنا هو تلك الإنتاجات العلمية والآثار المعرفِيَّة التي خلَّفَهَا الغَزَّالِيُّ، والتي تنطِقُ بالإمامة المُطْلَقَةِ، والأستاذيَّةِ الفَذَّة.
وإذا تَتَّبعنا جهودَهُ العلميَّة، ومساهماتِهِ الفكريَّةَ في بناء الصَّرْحِ العلْمِيِّ الإسْلاميِّ، مُنْذُ نعومةِ أظفارِهِ إلى أنْ مات - رحمه الله - يتجلَّى لنا بوضوحٍ أَنَ حياتَهُ العلميَّةَ مَرَّت بمراحلَ وخطواتٍ مختلفة نتكلّم عنها فيما يلي:
من المعلوم والثابت في كُتُب التراجِمِ والتَّاريخ، وقد شَهِدَ به الغزّاليُّ نَفْسُه - أنه في بدايةِ تحصِيلِهِ للعُلُومِ، كان قد اتخذ منَ التعليمِ وسيلةً للكَسْب المَادِّيِّ، وتحصيلِ قُوتِهِ واحتياجاتِهِ.
ولقد كان الغَزَّاليُّ كثيراً ما يحكِي هذا، ويقُولُ: طَلَبْنَا العِلْمَ لِغَيْرِ اللهِ، فَأَبَىْ أنْ يَكُونَ إلاَّ لِلَّهِ.
غير أنَّ الغزّاليَّ - رضي الله عنه - لم يستمر على هذه الحالِ، ولم يكن الهدَفُ من العلْمِ - عنده - هو الكسبَ، بل إنه طلب المزيدَ من المَعْرِفَةِ، وبحَثَ عن الحقيقةِ واليقينٍ، وسار نحو الوصُولِ إلى الله، ليْسَ له همُّ إلا ذلك، ولا يشغَلُهُ شيءٌ غيره.
40