وإنما لم يُعرب لأنه موصولٌ لا يَتم إلا بصلته (^١)، فصار لفظُه كأنه بعضُ الكلمة، ولا إعرابَ إلا لتمام الكلمة في آخرها، فأما (اللَّذانِ) في التثنية فإنما أُعرب -فكان رفعُه بالألف، ونصبُه وخفضُه بالياء- لأن منعَ الإعراب كان لإلحاقه بالحروف، ولا تثنيةَ للحروف فلم تُلحق بها، بل تحقَّق فيه معنى (^٢) الاسمِ فأُعرب لذلك.
وقوله تعالى: ﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ﴾: تقديره: المؤمنين، ومحلُّ: ﴿الَّذِينَ﴾ من الإعراب على هذا التقدير: الخفضُ؛ لأنه نعتٌ للمتقين (^٣) فيتبعُه في إعرابه، ويجوز أن يكون نصبًا على المدح، ويجوز أن يكون رفعًا بإضمارِ كلمة: هم.
وقوله: ﴿يُؤْمِنُونَ﴾: فالإيمانُ في اللغة هو التصديق، وقد آمَنَ به ولَه؛ أي: صدَّقه، وآمَنَهُ؛ أي: أَثبتَ له الإيمان (^٤).
وقيل: إن الإيمان الذي هو التصديقُ مأخوذٌ من هذا؛ فإن المصدِّق غيرَه فيما أَخبره (^٥) به يُثبت لنفسه الأمنَ من إخبارِ المخبِر إياه بالكذب أو الخطأ.
ثم اختلَف أهلُ الأصول في ماهيةِ الإيمان المفترَض على العبد:
قال جَهْمٌ (^٦): هو المعرفة.
وقالت الكرَّاميَّة: هو مجردُ الإقرار.
(^١) في (أ): "بصلة".
(^٢) في (ر) و(ف): "بمعنى".
(^٣) في (ر): "نعت المتقين".
(^٤) في (أ): "الأمان".
(^٥) في (ر) و(ف): "أخبر".
(^٦) هو جهم بن صفوان أبو محرز السمرقندي، قال الذهبي في ترجمته في "الميزان": الضال المبتدع، رأس الجهمية، هلك في زمان صغار التابعين، وما علمته روى شيئا لكنه زرع شرًّا عظيمًا.