Al-Tabsira fī uṣūl al-fiqh
التبصرة في أصول الفقه
Editor
محمد حسن هيتو
Publisher
دار الفكر
Edition Number
الأولى
Publication Year
1403 AH
Publisher Location
دمشق
Genres
Jurisprudence
وَأَيْضًا هُوَ أَنه لَا خلاف أَنه يجوز أَن يَقُول صَاحب الشَّرْع حرمت عَلَيْكُم الْخمر لِأَنَّهُ شراب فِيهِ شدَّة مطربة فقيسوا عَلَيْهِ كل مَا كَانَ فِيهِ هَذَا الْمَعْنى فَكَذَلِك يجوز أَن يحرم الْخمر لهَذِهِ الْعلَّة وَينصب عَلَيْهَا دلَالَة ويأمرنا بِالْقِيَاسِ عَلَيْهَا
يدل عَلَيْهِ أَنه لما جَازَ أَن يَأْمُرنَا بالتوجه إِلَى الْجِهَة الَّتِي فِيهَا الْكَعْبَة لمن عاينها لِأَن فِيهَا الْكَعْبَة جَازَ أَن ينصب عَلَيْهَا دلَالَة لمن غَابَ عَنْهَا ويتعبد بالتوجه إِلَيْهَا بالاستدلال عَلَيْهَا
وَاحْتَجُّوا بِأَنَّهُ لَو جَازَ التَّعَبُّد بِالْقِيَاسِ فِي الْفُرُوع لجَاز التَّعَبُّد بِهِ فِي الْأُصُول حَتَّى يعرف جَمِيع الْأَحْكَام بِالْقِيَاسِ
قُلْنَا يجوز التَّعَبُّد بِالْقِيَاسِ فِي الْأُصُول إِذا كَانَ هُنَاكَ أصل يسْتَدلّ بِهِ عَلَيْهِ فَأَما إِذا لم يكن هُنَاكَ أصل آخر فَلَا يجوز لِأَنَّهُ تعبد بِمَا لم يَجْعَل إِلَى مَعْرفَته طَرِيقا وَلم ينصب عَلَيْهِ دَلِيلا وَهَذَا كَمَا تَقول فِي الْبَصِير أَنه يجوز أَن يتعبد بِالِاجْتِهَادِ فِي طلب الْقبْلَة حَيْثُ جعل لَهُ إِلَى مَعْرفَتهَا طَرِيق وَلَا يجوز أَن يتعبد بِهِ الْأَعْمَى حَيْثُ لم يَجْعَل لَهُ ذَلِك طَرِيق كَذَلِك هَاهُنَا
قَالُوا وَلِأَن التَّكْلِيف إِنَّمَا جعل لمصْلحَة الْمُكَلف والمصالح لَا تعلم إِلَّا بِالنَّصِّ فَأَما الْقيَاس فَلَا تعلم لِأَن الْقيَاس رُبمَا أَخطَأ الْمصلحَة
قُلْنَا الْمصَالح لَا تعرف بِالْقِيَاسِ وَلَكِن مَا عرف بِالْقِيَاسِ فَهُوَ مَعْلُوم بِالنَّصِّ لِأَن النَّص هُوَ الَّذِي دلّ على الْقيَاس فَمَا أدّى إِلَيْهِ مَأْخُوذ من النَّص وَإِن كَانَ قد يتَوَصَّل إِلَى ذَلِك بِضَرْب من الِاسْتِدْلَال
على أَنه لَو كَانَ هَذَا دَلِيلا على منع التَّعَبُّد بِالْقِيَاسِ لوَجَبَ أَن يَجْعَل ذَلِك دَلِيلا على إبِْطَال التَّعَبُّد بِالِاجْتِهَادِ فِي الظَّوَاهِر وترتيب الْأَدِلَّة بَعْضهَا على بعض ولوجب أَن يبطل أَيْضا الِاجْتِهَاد فِي الْقبْلَة فَيُقَال إِن طَرِيق التَّكْلِيف الْمصلحَة وَرُبمَا أَخطَأ الْمصلحَة فِي هَذَا كُله فَيجب أَن لَا يجوز الِاجْتِهَاد وَلما جَازَ ذَلِك بِالْإِجْمَاع دلّ على بطلَان مَا قَالُوهُ
قَالُوا لَو كَانَ فِي الشَّرْع عِلّة تَقْتَضِي الحكم لتَعلق الحكم بِمَا قبل الشَّرْع
1 / 420