Siraj Munir
السراج المنير في الإعانة على معرفة بعض معاني كلام ربنا الحكيم الخبير
Publisher
مطبعة بولاق (الأميرية)
Edition Number
الأولى
Publisher Location
القاهرة
Genres
كالمسافر إذا علم أنه قطع ميلًا أو طوى بريدًا، أو الحافظ إذا حفظ سورة اعتقد أنه أخذ من القرآن حظًا تامًّا وفاز بطائفة محدودة مستقلة بنفسها فعظم ذلك عنده وابتهج به إلى غيرها من الفوائد، وقوله تعالى: ﴿من مثله﴾ صفة سورة أي: بسورة كائنة من مثله، والضمير لما نزلنا ومن للتبعيض، أو للتبيين، وزائدة عند الأخفش، أي: بسورة مماثلة للقرآن في البلاغة وحسن النظم، وقيل: الضمير لعبدنا، ومن للإبتداء أي: بسورة كائنة ممن هو على حاله من كونه بشرًا أميًّا لم يقرأ الكتب ولم يتعلم العلوم، والوجه الأول أولى لأنه المطابق لقوله تعالى في سورة يونس: ﴿فأتوا بسورة مثله﴾ (يونس، ٣٨) ولسائر آيات التحدي، ولأنّ الكلام في المنزل لا في المنزل عليه فحقه أن لا ينفك عنه ليتسق الترتيب والنظم إذ المعنى وإن ارتبتم في أن القرآن
منزل من عند الله فأتوا بقرآن من مثله ولأنّ مخاطبة الجم الغفير بأن يأتوا بمثل ما أتى به واحد من أبناء جنسهم أبلغ في التحدي من أن يقال لهم: ليأت بنحو ما أتى به عبدنا آخر مثله ولأنه معجز في نفسه لا بالنسبة إليه لقوله تعالى: ﴿قل لئن اجتمعت الإنس والجنّ على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله﴾ (الإسراء، ٨٨) ولأن عود الضمير إلى عبدنا يوهم إمكان صدوره ممن لم يكن على صفته ولا يلائمه قوله تعالى: ﴿وادعوا شهداءكم من دون الله﴾ فإنه تعالى أمر أن يستعينوا بكل من ينصرهم ويعينهم سواء كان مثله أم لا والشهداء جمع شهيد بمعنى الحاضر أو القائم بالشهادة، ومنه قيل للمقتول في سبيل الله: شهيد، لأنه حضر ما كان يرجوه أو الملائكة حضروه، ومعنى دون: أدنى مكان من الشيء، ومنه تدوين الكتب لأنه أدنى البعض، من البعض ودونك هذا أي: خذه من أدنى مكان منك، ثم استعير للرتب فقيل: عمرو دون زيد، أي: في الشرف، ومنه الشيء الدون، ثم اتسع فيه فاستعمل في كل تجاوز حد إلى آخر وتخطي أمر إلى آخر وإن خلى عن الرتبة قال تعالى: ﴿لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين﴾ (آل عمران، ٢٨) أي: لا يتجاوزوا ولاية المؤمنين إلى ولاية الكافرين، ومن متعلقة بادعوا فهي لابتداء الغاية، والمعنى: وادعوا للمعارضة من حضركم أو رجوتم معونته من إنسكم وجنكم وادعوا آلهتكم التي تعبدونها غير الله وتزعمون أنها تشهد لكم يوم القيامة، أي: استعينوا بهم في الإتيان بما ذكر ﴿إن كنتم صادقين﴾ في أن محمدًا ﷺ يقوله من تلقاء نفسه، وأن آلهتكم تشهد لكم بذلك، وجواب هذا الشرط محذوف تقديره فافعلوا أي: ما ذكر من الإتيان بسورة دل عليه قوله تعالى:
﴿فإن لم تفعلوا﴾ ذلك والصدق الإخبار المطابق وقيل: مع اعتقاد المخبر أنه كذلك عن دلالة أو إمارة لأنه تعالى كذب المنافقين في قولهم: ﴿إنك لرسول الله﴾ (المنافقون، ١) لما لم يعتقدوا مطابقته، ورد هذا القول بصرف التكذيب إلى قولهم: نشهد لأنّ الشهادة إخبار عما عمله وهم ما كانوا عالمين به، وقوله تعالى: ﴿ولن تفعلوا﴾ جملة معترضة أي: لا يقع منكم ذلك أبدًا لإعجاز القرآن ﴿فاتقوا النار التي وقودها﴾ أي: ما تتقد به ﴿الناس والحجارة﴾ التي نحتوها واتخذوها أربابًا من دون الله طمعًا في شفاعتها والانتفاع بها ويدل لذلك قوله تعالى: ﴿إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم﴾ (الأنبياء، ٩٨) عذبوا بما هو منشأ جرمهم كما عذب الكانزون بما كنزوه أو حجارة الكبريت، كما رواه الطبراني عن ابن مسعود، والحاكم والبيهقي عن ابن عباس رضي الله تعالى
1 / 35