26

Al-Shafi'i: His Life and Era – His Opinions and Jurisprudence

الشافعى حياته وعصره – آراؤه وفقهه

Publisher

دار الفكر العربي

Edition Number

الثانية

Publication Year

1398 AH

التقى به أحمد بن حنبل، وقد أخذت شخصية الشافعي تظهر بفقه جديد، لا هو فقه أهل المدينة وحدهم، ولا فقه أهل العراق وحدهم، بل هو مزيج منهما وخلاصة عقل ألمعي أنضجه علم الكتاب والسنة، وعلم العربية وأخبار الناس والقياس والرأي، ولذلك كان من يلتقي من العلماء يرى فيه عالماً هو نسيج وحده(١).

أقام الشافعي بمكة في هذه القدمة نحوًا من تسع سنوات، كما يستنبط من أخبار الرواة، ولا بد أن الشافعي بعد أن رأى نوعين من الفقه مختلفين، وبعد أن ناظر وجادل، ورأى تشعب الآراء، واختلاف الأنظار، وتباين المشارب، وجد أنه لابد من وضع مقاييس لمعرفة الحق من الباطل، أو على الأقل لمعرفة ما هو أقرب للحق فإنه ليس من المعقول بعد أن شاهد وعاين ما بين نظر الحجازيين والعراقيين من اختلاف، ولأصحاب النظرين مكان من احترامه وتقديره، أن يحكم الشافعي ببطلان أحد النظرين جملة من غير ميزان ضابط دقيق، لهذا فكر في استخراج قواعد الاستنباط، ويصح لنا أن نفهم من مقامه الطويل في مكة بعيدًا عن ضجة العراق، وتناحر الآراء فيه، أنه فعل ذلك ليتوافر له الانصراف الكافي، والتأمل المبصر لاستخراج هذه القواعد، فتوافر على الكتاب يعرف طرق دلالاته، وعلى الأحكام يعرف ناسخها ومنسوخها، وخصائص كل منهما، وعلى السنة

(١) جاء في معجم ياقوت عن الآبري ما نصه: (قال إسحق بن راهويه: كنا عند سفيان بن عيينة نكتب أحاديث عمرو بن دينار، فجاءني أحمد بن حنبل فقال لي: قم يا أبا يعقوب حتى أريك رجلاً لم تر عيناك مثله، فقمت فأتى بي فناء زمزم، فإذا هناك رجل عليه ثياب بيض تعلو وجهه السمرة حسن السمت، حسن العقل، وأجلسني إلى جانبه فقال له يا أبا عبد الله هذا إسحاق بن راهوية الحنظلي، فرحب بي وحياني. فذاكرته وذاكرني فانفجر لي منه علم أعجبني حفظه، فلما طال مجلسنا قلت يا أبا عبد الله قم بنا إلى الرجل، قال هذا هو الرجل، فقلت يا سبحان الله، أقمت من عند رجل يقول حدثنا الزهري، فما توهمت إلا أن تأتينا برجل مثل الزهري أو قريب منه فأتيت بنا إلى هذا الشاب فقال لي يا أبا يعقوب اقتبس من الرجل فإنه ما رأت عيناي مثله. وهذه القصة وأشباهها تدل على لقاء أحمد بن حنبل للشافعي بمكة، ولكن هل كان هذا أول لقاء؟ لا تدل القصة على ذلك.

26