The Tadmuriyyah Epistle

Ibn Taymiyyat d. 728 AH
29

The Tadmuriyyah Epistle

الرسالة التدمرية

Publisher

المطبعة السلفية

Edition Number

الأولى

Publication Year

1399 AH

Publisher Location

القاهرة

دَلِيلِهِ مَشْكُوكًا فِيهَا عِنْدَ بَعْضِ النَّاسِ، كَانَ حَقُّهُ أَنْ يَشُكَّ فِيهِ، حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُ الْحَقُّ، وَإِلَّا فَلْيَسْكُتْ عَمَّا لَمْ يَعْلَمْ. وَإِذَا تَبَيَّنَ هَذَا، فَكَذَلِكَ قَاصِدُهُ يَقْصِدُهُ إلَى تِلْكَ النَّاحِيَةِ، وَلَوْ فُرِضَ أَنَّا فَعَلْنَاهُ لَكُنَّا قَاصِدِينَ لَهُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ، لَكِنَّ قَصْدَنَا لَهُ بِالْقَصْدِ إلَى تِلْكَ الْجِهَةِ مُمْتَنِعٌ فِي حَقِّنَا؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ التَّامَّ الْجَازِمَ يُوجِبُ طَلَبَ الْمَقْصُودِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ. وَلِهَذَا قَدْ بَيَّنَّا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ لَمَّا تَكَلَّمْنَا عَلَى تَنَازُعِ النَّاسِ فِي النِّيَّةِ الْمُجَرَّدَةِ عَنْ الْفِعْلِ هَلْ يُعَاقَبُ عَلَيْهَا أَمْ لَا يُعَاقَبُ؟ بَيَّنَّا أَنَّ الْإِرَادَةَ الْجَازِمَةَ تُوجِبُ أَنْ يَفْعَلَ الْمُرِيدُ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ الْمُرَادِ، وَمَتَى لَمْ يَفْعَلْ مَقْدُورَهُ لَمْ تَكُنْ إرَادَتُهُ جَازِمَةً، بَلْ يَكُونُ هَمًّا، وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَفْعَلْهَا لَمْ تُكْتَبْ عَلَيْهِ، فَإِنْ تَرَكَهَا لِلَّهِ كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةٌ. وَلِهَذَا وَقَعَ الْفَرْقُ بَيْنَ هَمِّ يُوسُفَ ﵇ وَهَمِّ امْرَأَةِ الْعَزِيزِ، كَمَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَد: الْهَمُّ هَمَّانِ: هَمُّ خَطَرَاتٍ وَهَمُّ إصْرَارٍ. فَيُوسُفُ ﵇ هَمَّ هَمًّا تَرَكَهُ لِلَّهِ فَأُثِيبَ عَلَيْهِ، وَتِلْكَ هَمَّتْ هَمَّ إصْرَارٍ فَفَعَلَتْ مَا قَدَرَتْ عَلَيْهِ مِنْ تَحْصِيلِ مُرَادِهَا، وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ لَهَا الْمَطْلُوبُ. وَاَلَّذِينَ قَالُوا: يُعَاقَبُ بِالْإِرَادَةِ، احْتَجُّوا بِقَوْلِهِ ﷺ: " إذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ " قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا الْقَاتِلُ فَمَا بَالُ الْمَقْتُولِ؟ قَالَ: " إنَّهُ أَرَادَ قَتْلَ صَاحِبِهِ "، وَفِي رِوَايَةٍ: " إنَّهُ كَانَ حَرِيصًا عَلَى قَتْلِ صَاحِبِهِ ". فَهَذَا أَرَادَ إرَادَةً جَازِمَةً، وَفَعَلَ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يُدْرِكْ مَطْلُوبَهُ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ امْرَأَةِ الْعَزِيزِ، فَمَتَى كَانَ الْقَصْدُ جَازِمًا، لَزِمَ أَنْ يَفْعَلَ الْقَاصِدُ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ حُصُولِ الْمَقْصُودِ، فَإِذَا كَانَ قَادِرًا عَلَى حُصُولِ مَقْصُودِهِ بِطَرِيقِ مُسْتَقِيمٍ امْتَنَعَ مَعَ الْقَصْدِ

1 / 30