The Throne Epistle

Ibn Taymiyyat d. 728 AH
26

The Throne Epistle

الرسالة العرشية

Publisher

المطبعة السلفية

Edition Number

الأولى

Publication Year

1399 AH

Publisher Location

القاهرة

خِطَابَ الْمَقْصُودِ وَدُعَاءَهُ وَنَحْوَ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ يُخَاطِبُهُ مِنْ أَقْرَبِ جِهَةٍ يَسْمَعُ دُعَاءَهُ مِنْهَا، وَيَنَالُ بِهِ مَقْصُودَهُ إذَا كَانَ الْقَصْدُ تَامًّا. وَلَوْ كَانَ رَجُلٌ فِي مَكَانٍ عَالٍ، وَآخَرُ يُنَادِيهِ؛ لَتَوَجَّهَ إلَيْهِ وَنَادَاهُ، وَلَوْ حَطَّ رَأْسَهُ فِي بِئْرٍ وَنَادَاهُ بِحَيْثُ يَسْمَعُ صَوْتَهُ لَكَانَ هَذَا مُمْكِنًا، لَكِنْ لَيْسَ فِي الْفِطْرَةِ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ مَنْ يَكُونُ قَصْدُهُ إسْمَاعَهُ مِنْ غَيْرِ مَصْلَحَةٍ رَاجِحَةٍ، وَلَا يَفْعَلُ نَحْوَ ذَلِكَ إلَّا عِنْدَ ضَعْفِ الْقَصْدِ وَنَحْوِهِ. حَدِيثُ الْإِدْلَاءِ الَّذِي رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي ذَرٍّ ﵄ قَدْ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ، مِنْ حَدِيثِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَهُوَ مُنْقَطِعٌ، فَإِنَّ الْحَسَنَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَلَكِنْ يُقَوِّيه حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ الْمَرْفُوعُ، فَإِنْ كَانَ ثَابِتًا فَمَعْنَاهُ مُوَافِقٌ لِهَذَا، فَإِنَّ قَوْلَهُ: " لَوْ أُدْلِيَ أَحَدُكُمْ بِحَبْلِ لَهَبَطَ عَلَى اللَّهِ " إنَّمَا هُوَ تَقْدِيرٌ مَفْرُوضٌ، أَيْ لَوْ وَقَعَ الْإِدْلَاءُ لَوَقَعَ عَلَيْهِ، لَكِنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُدْلِيَ أَحَدٌ عَلَى اللَّهِ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ عَالٍ بِالذَّاتِ وَإِذَا أُهْبِطَ شَيْءٌ إلَى جِهَةِ الْأَرْضِ وَقَفَ فِي الْمَرْكَزِ وَلَمْ يَصْعَدْ إلَى الْجِهَةِ الْأُخْرَى، لَكِنْ بِتَقْدِيرِ فَرْضِ الْإِدْلَاءِ، يَكُونُ مَا ذَكَرَ مِنْ الْجَزَاءِ. فَهَكَذَا مَا ذَكَرَهُ السَّائِلُ: إذَا قُدِّرَ أَنَّ الْعَبْدَ يَقْصِدُهُ مِنْ تِلْكَ الْجِهَةِ. كَانَ هُوَ سُبْحَانَهُ يَسْمَعُ كَلَامَهُ، وَكَانَ مُتَوَجِّهًا إلَيْهِ بِقَلْبِهِ، لَكِنَّ هَذَا مِمَّا تَمْنَعُ مِنْهُ الْفِطْرَةُ؛ لِأَنَّ قَصْدَ الشَّيْءِ الْقَصْدَ التَّامَّ يُنَافِي قَصْدَ ضِدِّهِ، فَكَمَا أَنَّ الْجِهَةَ الْعُلْيَا بِالذَّاتِ تُنَافِي الْجِهَةَ السُّفْلَى فَكَذَلِكَ قَصْدُ الْأَعْلَى بِالذَّاتِ يُنَافِي قَصْدَهُ مِنْ أَسْفَلَ، وَكَمَا أَنَّ مَا يَهْبِطُ إلَى جَوْفِ الْأَرْضِ يَمْتَنِعُ صُعُودُهُ إلَى تِلْكَ النَّاحِيَةِ لِأَنَّهَا عَالِيَةٌ فَتَرُدُّ الْهَابِطَ بِعُلُوِّهَا، كَمَا أَنَّ الْجِهَةَ الْعُلْيَا مِنْ عِنْدِنَا تَرُدُّ مَا يَصْعَدُ إلَيْهَا

1 / 27