The Throne Epistle
الرسالة العرشية
Publisher
المطبعة السلفية
Edition Number
الأولى
Publication Year
1399 AH
Publisher Location
القاهرة
Genres
Creeds and Sects
وَغَيْرُهُمْ أَنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: ﴿وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾ [الأنبياء: ٣٣]، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَلْكَةٌ مِثْلُ فَلْكَةِ الْمِغْزَلِ.
الْفَلَكُ فِي اللُّغَةِ: هُوَ الْمُسْتَدِيرُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: تَفَلَّكَ ثَدْيُ الْجَارِيَةِ إذَا اسْتَدَارَ، وَكُلُّ مَنْ يَعْلَمُ أَنَّ الْأَفْلَاكَ مُسْتَدِيرَةٌ يَعْلَمُ أَنَّ الْمُحِيطَ هُوَ الْعَالِي عَلَى الْمَرْكَزِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، وَمَنْ تَوَهَّمَ أَنَّ مَنْ يَكُونُ فِي الْفَلَكِ مِنْ نَاحِيَةٍ يَكُونُ تَحْتَهُ مَنْ فِي الْفَلَكِ مِنْ النَّاحِيَةِ الْأُخْرَى فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، فَهُوَ مُتَوَهِّمٌ عِنْدَهُمْ.
وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ، فَإِذَا قُدِّرَ أَنَّ الْعَرْشَ مُسْتَدِيرٌ مُحِيطٌ بِالْمَخْلُوقَاتِ كَانَ هُوَ أَعْلَاهَا، وَسَقْفَهَا وَهُوَ فَوْقَهَا مُطْلَقًا، فَلَا يَتَوَجَّهُ إلَيْهِ، وَإِلَى مَا فَوْقَهُ الْإِنْسَانُ إلَّا مِنْ الْعُلُوِّ، لَا مِنْ جِهَاتِهِ الْبَاقِيَةِ أَصْلًا.
وَمَنْ تَوَجَّهَ إلَى الْفَلَكِ التَّاسِعِ أَوْ الثَّامِنِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْأَفْلَاكِ مِنْ غَيْرِ جِهَةِ الْعُلُوِّ، كَانَ جَاهِلًا بِاتِّفَاقِ الْعُقَلَاءِ، فَكَيْفَ بِالتَّوَجُّهِ إلَى الْعَرْشِ أَوْ إلَى مَا فَوْقَهُ وَغَايَةُ مَا يُقَدَّرُ أن يكون كرى الشَّكْلِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى مُحِيطٌ بِالْمَخْلُوقَاتِ كُلِّهَا إحَاطَةً تَلِيقُ بِجَلَالِهِ، فَإِنَّ السَّمَوَاتِ السَّبْعَ وَالْأَرْضَ فِي يَدِهِ أَصْغَرُ مِنْ الْحِمَّصَةِ فِي يَدِ أَحَدِنَا.
وَأَمَّا قَوْلُ الْقَائِلِ: إذا كان كريًا وَاَللَّهُ مِنْ وَرَائِهِ مُحِيطٌ بِهِ بَائِنٌ عَنْهُ، فَمَا فَائِدَةُ أَنَّ الْعَبْدَ يَتَوَجَّهُ إلَى اللَّهِ حِينَ دُعَائِهِ وَعِبَادَتِهِ؟ فَيَقْصِدُ الْعُلُوَّ دُونَ التَّحْتِ، فَلَا فَرْقَ حِينَئِذٍ وَقْتَ الدُّعَاءِ بَيْنَ قَصْدِ جِهَةِ الْعُلُوِّ وَغَيْرِهَا مِنْ الْجِهَاتِ الَّتِي تُحِيطُ بِالدَّاعِي، وَمَعَ هَذَا نَجِدُ فِي قُلُوبِنَا قَصْدًا يَطْلُبُ الْعُلُوَّ، لَا يلتفت يمنة ولايسرة، فَأَخْبِرُونَا عَنْ هَذِهِ الضَّرُورَةِ الَّتِي نَجِدُهَا فِي قُلُوبِنَا، وَقَدْ فُطِرْنَا عَلَيْهَا.
1 / 23