أمَر النبيُّ ﷺ بغَسْلِ الإِناءِ مِن وُلُوغِ الكلب، وإرَاقةِ سُؤْرِه، ولم يُفرِّقْ بين ما تغيَّر وما لم يتغَيَّرْ، مع أَنَّ الظاهِرَ عدمُ التَغيُّرِ، وخبرُ أبي أُمامةَ ضعيفٌ، وخبرُ بئرِ بُضاعةَ والخبرُ الآخَرُ مَحْمولان على الماءِ الكثير، بدليلِ أنَّ ما تغيَّر نَجُسَ، أو نَخُصُّهما بخبرِ القُلَّتَيْن، فإنه أخَصُّ منهما، والخاصُّ يُقَدَّمَ على العامِّ.
وأما الزَّائدُ عنِ القُلَّتَيْن، إذا لم يتغيَّرْ، ولم تكنِ النجاسةُ بَوْلًا أو عَذِرَةً، فلا يخْتَلِفُ المذهبُ في طَهارتِه، ورُوِىَ ذلك عن ابن عمر، وسعيد بن جُبَيْر، ومُجاهِد، وهو قولُ الشافعىِّ، وإسحاق، وأبى عُبَيْدة وأبى ثَوْر (٣٣)، وهو قولُ مَن حَكَيْنا عنهم أنَّ اليَسِيَر لا ينْجُسُ إلا بالتغيُّرِ.
وحُكِىَ عن ابن عباس، أنه قال: إِذَا كان الماءُ ذَنُوبَيْنِ لم يَحْمِلِ الخَبَثَ. وقال عِكْرِمة: ذَنُوبًا أو ذَنُوبَيْن.
وذهب أبو حنيفة وأصحابُه إلى أنَّ الكثيرَ يَنْجُسُ بالنَّجاسةِ، إلَّا أن يبْلُغَ حَدًّا يغْلِبُ على الظَّنِّ أن النَّجاسةَ لا تصِلُ إليه. واخْتلفُوا في حَدِّه؛ فقال بعضُهم: ما إذا حُرِّك أحَدُ طَرَفَيْه لم يتحَرَّكِ الآخَرُ. وقال بعضُهم: ما بلَغ عَشْرةَ أذْرُعٍ في عشرة أذرع (٣٤)، وما دون ذلك يَنْجُسُ، وإن بلغَ ألفَ قُلَّةٍ؛ لأنَّ النبيَّ ﷺ قال: "لَا