Al-Mughnī sharḥ mukhtaṣar al-Khiraqī
المغني شرح مختصر الخرقي
Editor
عبد اللَّه بن عبد المحسن التركي وعبد الفتاح محمد الحلو
Publisher
دار عالم الكتب للطباعة والنشر والتوزيع
Edition
الثالثة
Publication Year
1417 AH
Publisher Location
الرياض
ذلك الماء. قال: وسألتُ أحمدَ عن رَشِّ الماءِ علَى الخُفِّ إذا لم يَسْتَجْمِرِ الرَّجُلُ؟ قال: أحَبُّ إلَيَّ أن يَغْسِلَه ثلاثًا. وهذا قول ابنُ حامِدٍ. وظاهرُ قَوْلِ المتأَخِّرِينَ من أصحابِنا أنه نَجِسٌ، وهو قول الشّافِعِىِّ، وأبى حَنِيفَة. فلو قَعَدَ المُسْتَجْمِرُ في ماءٍ قَليلٍ نَجَّسَه، ولو عَرِقَ كان عَرَقُه نَجِسًا؛ لأنه مَسْحٌ للنَّجاسةِ، فلم يطْهُرْ به مَحَلُّها كسائرِ المَسْحِ. ووَجْهُ الأوَّلِ قَوْلُ النبيِّ ﷺ: "لا تَسْتَنْجُوا برَوْثٍ ولا عَظْمٍ، فإنَّهُمَا لا يُطَهِّرانِ". فمَفْهُومُه أنَّ غيرَهما يُطَهِّرُ، ولأنَّ الصحابةَ، رَضِىَ اللهُ عنهم، كان الغالبُ عليهمِ الاسْتِجْمارُ، حتَّى إنَّ جماعةً منهم أنكَرُوا الاسْتِنْجاءَ بالماءِ، وسَمَّاهُ بعضُهُم بِدْعَةً، وبلادُهم حَارَّةً، والظاهرُ أنَّهم لا يَسْلَمُون من العَرَقِ، فلم يُنْقَلْ عنهم تَوَقِّى ذلك، ولا الاحْتِرازُ منه، ولا ذِكْرٌ لِذلك (٦) أصْلًا، وقد نُقِل عن ابنِ عُمَر، أنَّه بالَ بالمُزْدَلِفَةِ، فأدْخَلَ يدَه فنَضَحَ فَرْجَه مِن تحتِ ثِيابهِ، وعن إبراهيمَ النَّخَعِىِّ نحوُ ذلك، ولولا أنَّهما اعْتَقدَا طَهَارَتَه ما فَعَلَا ذلك.
فصل: إذا اسْتَنْجَى بالماءِ لم يَحْتَجْ إلى تُرابٍ. قال أحمد: يُجْزِئُه الماءُ وَحْدَه. ولم يُنْقَلْ عن النبيِّ ﷺ أنه اسْتَعْمَلَ التُرابَ مع الماءِ في الاسْتِنْجاءِ، ولا أَمَرَ به.
فأما عَدَد الغَسَلات فقد اخْتُلِفَ عن أحمدَ فيها؛ فقالَ، في رِوَايةِ ابْنهِ صالِح: أقَلُّ ما يُجْزِئُه من الماءِ سَبْعُ مَرَّاتٍ. وقال، في روايةِ محمد بنِ الحَكَمِ: ولكن المَقْعَدَةُ يُجْزِىءُ أن تُمْسَحَ بثلاثةِ أحْجارٍ أو تَغْسِلها ثلاثَ مَرَّاتٍ، ولا يُجْزِىءُ عندى إذا كان في الجَسَدِ أنْ يغْسِلَه ثلاثَ مَرَّاتٍ، وذلك لِمَا رَوَتْ عائشةُ، أنَّ النَّبِيَّ ﷺ كان يَغْسِلُ مَقْعَدَتَه ثَلاثًا. روَاهُ ابنُ مَاجَه (٧). وقال أبو داود: سُئِلَ أَحْمَدُ عن حَدِّ الاسْتِنْجاء بالماءِ؟ فقال: يُنَقِّى. وظاهِرُ هذا أنَّه لا عَدَدَ فيه، إنَّما الواجبُ الإِنْقاءُ، وهذا أصَحُّ؛ لأنَّه يَصِحّ عن النبيِّ ﷺ في ذلك عَدَدٌ، ولا أَمَرَ به، ولا بُدَّ من الإِنْقاءِ علَى الرِّواياتِ كُلِّها، وهو أن تَذْهَبَ زُلُوجةُ (٨) النَّجاسةِ وآثارُها.
(٦) في م: "ذلك".
(٧) في: باب الاستنجاء بالماء، من كتاب الطهارة. سنن ابن ماجه ١/ ١٢٧.
وأخرجه أيضًا الإمام أحمد، في: المسند ٦/ ٢١٠.
(٨) في م: "لزوجة". والزلج، محركة: الزلق.
1 / 219