Mawaqif
المواقف في علم الكلام
Investigator
عبد الرحمن عميرة
Publisher
دار الجيل
Edition Number
الأولى
Publication Year
1417 AH
Publisher Location
بيروت
Genres
الشبهة الثالثة لمنكري البديهيات فقط أن يقال للأمزجة والعادات تأثير في الاعتقادات فقوي القلب بحسب المزاج يستحسن الإيلام ولا يستقبحه بل ربما يلتذ به وضعيف القلب يستقبحه جدا ولذلك نرى بعضهم لا يجوزون ذبح الحيوانات للانتفاع بأكلها ومن مارس مذهبا من المذاهب حقا كان أو باطلا واعتاد به برهة من الزمان ونشأ عليه فإنه بمجرد اعتياده به من غير أن يلوح له ما يظهر به حقيته يجزم بصحته وإن كان باطلا وبطلان ما يخالفه وإن كان حقا فجاز أن يكون الجزم من بديهة العقل في الكل أي كل ما حكمت به لمزاج أو عادة عامين لجميع أفراد الإنسان المتفقين في البديهيات فلا تكون يقينية كالقضايا الصادرة من الأمزجة والعادات المخصوصة لا يقال نحن نفرض أنفسنا خالية عن جميع الأمزجة والعادات ومع ذلك نجد من أنفسنا الجزم بهذه الأمور البديهية فالحاكم فيها صريح العقل بلا تأثير من مزاج أو عادة لأنا نقول لا نسلم إمكان فرض الخلو عن جميع الأمزجة والعادات إذ قد لا نشعر ببعض من الهيآت المزاجية أو العادية فكيف نفرض الخلو عن ذلك البعض مع عدم الشعور به ولئن سلم إمكان فرض الخلو عن الجميع فلا يلزم من فرض الخلو الخلو في نفس الأمر ألا يرى أن البخيل لا يزول عنه بخله بمجرد فرض خلوه عنه ولعل عادة مستمرة صارت ملكة مستقرة لا تزول بتهذيب النفس عنها مدة العمر فضلا عن مجرد فرض زوالها والخلو عنها
والجواب أنه أي ما ذكرتم من تأثير الأمزجة والعادات في الاعتقاديات وحصول الجزم بسبب ذلك في القضايا لا يدل على جواز كون الكل أي جميع القضايا البديهية كذلك أي حاصلة بتأثير المزاج أو العادة فإن الجزم بكون الكل أعظم أي أزيد من الجزء ليس مما للأمزجة أو العادات فيه مدخل قطعا
الشبهة الرابعة للفرقة المنكرة للأحكام الديهية فقط قولهم مزاولة العلوم العقلية دلت على أنه قد يتعارض دليلان قاطعان بحسب الظاهر بحيث تعجز عن القدح فيهما وما هو أي العجز عن القدح فيهما إلا للجزم بمقدماتهما مع أن إحديهما أي إحدى تلك المقدمات وهي الأمور المعتبرة في صحة الدليلين خطأ قطعا وإلا أي وإن لم تكن إحداها خطأ بل كانت بأسرها صوابا اجتمع النقيضان في الواقع لصحة الدليلين حينئذ وإذا كانت إحداهما خطأ مع جزم بديهة العقل بصحتها فقد ارتفع الوثوق عن أحكامها
فإن قيل لا نسلم العجز عن القدح فيهما دائما فإن ذلك العجز لا يدوم ويحق الحق ويبطل الباطل من ذينك الدليلين المتعارضين عن كثب أي قرب
قلنا نحن لا ندعي العجز عن القدح دائما بل بالإطلاق فحين العجز ولو أنا نجزم لما لا يجوز الجزم به وأنه أي الجزم في آن بما لا يجوز الجزم به كاف في رفع الثقة عن أحكام البديهة
Page 107