============================================================
مقالات البلخي خالقهم وتشمته والفرية عليه، أو يكون ذلك محظورا عليهم لم يكن بد من أن يتواعدوا على فعل ما خطر عليهم ويرغبوا ويرهبوا، وهذا هو المحنة والتعبد أو يفعل بهم ما يقوم مقام ذلك، وهو أن يحضروا وقوع الوعد والوعيد حتى شاهدوا ذلك، ولا يكون مع ذلك بد من أن يكون الترغيب والترهيب قد تقدما، فلا بد في كلا الوجهين من أن يكونوا قد خلقوا في دار يعيدوا فيها ويوعدوا، وهذا حال هذه الدار: قال: ووجه آخر، وهو أن الله قد كان عالما بأن بعضهم يكفر ويضل ويعاند ويجهل، وإن ذلك من فعله يوجب إخراجه من الجنة، فجعلهم في دار المحنة ترغيبا لهم في ترك ما علم منهم، واحتجاجا عليهم، وتأديبا لمن علم منه لا يكفر: قال: ووجه آخر، أنه لو خلقهم في الجنة كان لا بد من إزالة الأسباب الداعية إلى الفساد والكفر عنهم، وأخذ ما يزيل عنهم تلك الأسباب هو التوعيد والتحذير والتخويف، فلم يكن بذ من دار يكون فيها ذلك، ثم ينتقل إلى دار الجزاء.
قالوا: فإن قال خصومنا: فهم إذا صاروا إلى الجنة بعد دار الدنيا قادرين عنذكم على المعاصي، فقد يجب أن يتواعدوا على قياس قولكم ويحذروا ويخوفوا، فإن كان لا يجب أن يتوعدوا في الجنة مع قدرتهم على المعصية لأن ذلك مأمون منهم إذا نقلوا إليها عن الدنيا فهلا ابتدأ الله في الجنة من علم أنه لا يعصيه، وإن كانوا قادرين على المعصية فكانوا لا يحتاجون إلى تخويف ل وتوغد كما لا يحتاجون إلى ذلك إذا نقلوا إليها عن دار الذنيا، ولا يكون الله بتركه تخويفهم وتوغدهم مبيحا لهم الكفر، كمالم يكن مبيحا لهم في الجنة.
Page 330