Al-ilmām bi-ḥukm al-qirāʾa khalf al-imām wa-l-jawāb ʿammā iḥtajja bihi al-Bukhārī
الإلمام بحكم القراءة خلف الإمام والجواب عما احتج به البخاري
Publisher
الفاروق الحديثة للطباعة والنشر ومكتبة التوعية الإسلامية لإحياء التراث الإسلامي
Edition Number
الأولى
Publication Year
1408 AH
Publisher Location
القاهرة وجيزة
Genres
الإِلمَامُ
بحُكْمِ القِرَاءَةِ خَلفَ الإِمَامِ
وَالجَوَابِ عَمَّا احْتَجَّ بِهِ البُخَارِي
تَأليفُ
شَيْخُ الإسْلامِ ابن تيميةَ
تحقيق
شَرِيفْ هَزاع
الفَارُوق الحَدِيثَةْ
للطِبَاعَة والنشرْ
مَكْتَبَةُ التوعية الإِسْلامِيَّةِ
لإِحْيَاء التراثُ الإسْلامي
1
كافة حقوق الطبع محفوظة
الناشر
الفاروق الحديثة للطباعة والنشر
مكتبة التوعية الإسلامية
2
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
مُقدّمة
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله: أما بعد:
فهذه فتوى لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى وأجزل مثوبته في حكم القراءة خلف الإمام، أجاب فيها بما هو الحق ألا وهو أن المأموم لا تجب عليه القراءة في الصلاة الجهرية وأيضاً لا يجب عليه ترك القراءة؛ وإنما إذا سكت الإمام قرأ وإلا فتكفيه قراءة الإمام.
وقد أجاب الشيخ رحمه الله عما احتج به الإمام البخاري رحمه الله في رسالته (خير الكلام في القراءة خلف الإمام) بما لا يدع مجالاً للشك أن ما قرره شيخ الإسلام في هذه المسألة هو الحق الذي لا محيص عنه ولا مرية فيه.
وهذه الفتوى مع صغر حجمها فقد جمعت درراً من العلم النافع مع فوائد حديثية وأصولية هي ما تعودناه في كتابات شيخ الإسلام رحمه الله تعالى.
وهذه الرسالة مع أهميتها لم تطبع إلا مرة واحدة ضمن (مجموعة الفتاوى) ونظراً لقلة تداولها أحببنا أن نفردها في رسالة عسى الله أن ينفع بها كما نفع بمؤلفات الشيخ الأخرى. ووضعنا العنوان ((الإلمام بحكم القراءة خلف الإمام، والجواب عما احتج به البخاري)).
3
عملي في التحقيق
نظراً لأهمية هذه الرسالة وإحساسي الصادق بحاجة المسلمين الماسة لها اليوم مع عموم الجهل حيث إن عملي كإمام مسجد جعلني أحس بهذه المشكلة فتجد كثيرين من المؤتمين إذا بدأ الإمام بالقراءة انشغلوا عنه بقراءة الفاتحة مما يشوش على الإمام وعلى المؤتمين خلفه وذلك كله للخلاف في مسألة القراءة خلف الإمام وإيجاب بعض العلماء قراءتها حتى في الصلاة الجهرية مما وجدته يتعارض مع ما في جهر الإمام بالقراءة من مصلحة إذ لا فائدة من قراءة الإمام حيث إن المؤتمين مشغولون عنه بالقراءة.
وقد يقول قائل: إذن يسكت الإمام سكتة تسمح للمؤتم أن يقرأ الفاتحة.
والجواب؛ كما ستجده مبسوطاً في هذه الرسالة المباركة وهو: إن هذه السكتة لم يشرعها النبي ﷺ فلا شك في بدعيتها إذ لا إيجاب بعد وفاة النبي ﷺ ومن استحسن فقد شرع فلما لم يسكت النبي ﷺ هذه السكتة، ولم يفعلها أحد من أصحابه علمنا بدعيتها.
فوجدت ضرورة إخراج هذه الرسالة لتكون في متناول الأيدي وكان عملي فيها:
تصحيح النص وخاصة التحريفات التي في أسانيد الأحاديث التي نقلها شيخ الإسلام من رسالة البخاري.
تخريج الآيات القرآنية وضبطها.
تخريج الأحاديث النبوية والحكم عليها إذا كانت من خارج الصحيحين إذ لا فائدة من ذكر حكمها لأن ذلك مما اجتمعت عليه الأمة فجمهور أحاديث الصحيحين صحيح وإني لم أقصد الإكثار من الطرق إلا لتطمئن النفس لصحة الحديث أو ضعفه.
4
٤ - حرصت على أن تخرج الرسالة كما وضعها المؤلف رحمه الله ما استطعت إلى ذلك سبيلاً.
٥ - وضعت بعض العناوين وجعلتها بين قوسين.
٦ - ذكرت في الحاشية المصادر التي نقل عنها شيخ الإسلام عازياً إلى الجزء والصفحة وستجد هذا كثيراً في رسالة البخاري رحمه الله تعالى.
٧ - وضعت فهارس في نهاية البحث: -
أ - فهرس للآيات مرتبة على السور.
ب - فهرس للأحاديث مرتبة على الحروف.
جـ - فهرس للآثار مرتبة على الحروف.
د - فهرس المراجع والمصادر.
هـ - فهرس الموضوعات.
هذا وأسأل الله تعالى أن يجعل عملي خالصاً لوجهه وأن يجعله في ميزان حسناتي يوم لا ينفع مال ولا بنون. وأستغفر الله العظيم.
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.
وكتبه
أبو أيوب المصري
شريف بن محمد فؤاد بن حسن هزاع
ليسانس حديث ودراسات إسلامية
الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية
5
سئل شيخ الإسلام
عن «القراءة خلف الإمام»؟
فأجاب: الحمد لله. للعلماء فيه نزاع واضطراب مع عموم الحاجة إليه. وأصول الأقوال ثلاثة: طرفان، ووسط.
فأحد الطرفين أنه لا يقرأ خلف الإمام بحال.
والثاني: أنه يقرأ خلف الإمام بكل حال.
والثالث: وهو قول أكثر السلف: أنه إذا سمع قراءة الإمام أنصت، ولم يقرأ، فإن استماعه لقراءة الإمام خير من قراءته، وإذا لم يسمع قراءته قرأ لنفسه، فإن قراءته خير من سكوته، فالاستماع لقراءة الإمام أفضل من القراءة، والقراءة أفضل من السكوت، هذا قول جمهور العلماء كمالك وأحمد بن حنبل وجمهور أصحابهما، وطائفة من أصحاب الشافعي، وأبي حنيفة، وهو القول القديم للشافعي، وقول محمد بن الحسن.
وعلى هذا القول: فهل القراءة حال مخافتة الإمام بالفاتحة واجبة على المأموم؟ أو مستحبة؟ على قولين في مذهب أحمد.
أشهرهما أنها مستحبة، وهو قول الشافعي في القديم، والاستماع حال جهر الإمام هل هو واجب أو مستحب؟ والقراءة إذا سمع قراءة الإمام هل هي محرمة أو مكروهة؟ وهل تبطل الصلاة إذا قرأ، على قولين في مذهب أحمد، وغيره.
(أحدهما): أن القراءة حينئذ محرمة، وإذا قرأ بطلت صلاته، وهذا أحد الوجهين اللذين حكاهما أبو عبد الله بن حامد، في مذهب أحمد.
(والثاني): أن الصلاة لا تبطل بذلك، وهو قول الأكثرين، وهو
6
المشهور من مذهب أحمد، ونظيرُ هذا إذا قرأ حال ركوعه وسجوده: هل تبطل الصلاة؟ على وجهين في مذهب أحمد؛ لأن النبي ﷺ نهى أن يُقرأ القرآن راكعاً أو ساجداً.
والذين قالوا: يقرأ حال الجهر، والمخافتة، إنما يأمرونه أن يقرأ حال الجهر بالفاتحة خاصة، وما زاد على الفاتحة فإن المشروع أن يكون فيه مستمعاً لا قارئاً.
وهل قراءته للفاتحة مع الجهر واجبة، أو مستحبة؟ على قولين:
(أحدهما): إنها واجبة، وهو قول الشافعي في الجديد، وقول ابن حزم.
(والثاني): إنها مستحبة، وهو قول الأوزاعي، والليث بن سعد، واختيار جدي أبي البركات، ولا سبيل إلى الاحتياط في الخروج من الخلاف في هذه المسألة، كما لا سبيل إلى الخروج من الخلاف في وقت العصر، وفي فسخ الحج، ونحو ذلك من المسائل.
يتعين في مثل ذلك النظر فيما يوجبه الدليل الشرعي، وذلك أن كثيراً من العلماء يقول صلاة العصر يخرج وقتها إذا صار ظل كل شيء مثليه، كالمشهور من مذهب مالك، والشافعي، وهو إحدى الروايتين عن أحمد.
وأبو حنيفة يقول: حينئذ يدخل وقتها، ولم يتفقوا على وقت تجوز فيه صلاة العصر، بخلاف غيرها فإنه إذا صلى الظهر بعد الزوال بعد مصير ظل كل شيء مثله، سوى ظل الزوال صحت صلاته، والمغرب أيضاً تجزىء باتفاقهم إذا صلى بعد الغروب، والعشاء تجزىء باتفاقهم إذا صلى بعد مغيب الشفق الأبيض، إلى ثلث الليل.
والفجر تجزىء باتفاقهم إذا صلاها بعد طلوع الفجر إلى الإسفار الشديد، وأما
7
العصر فهذا يقول : تُصلى إلى المِثلينْ ، وهذا يقول لا تصلى إلا بعد المِثْلَين ، والصحيح أنها تصلى من حين يصيرُ ظلُ كل شيء مِثْله إلى اصفرار الشمس ، فوقتها أوسع ، كما قاله هؤلاء ، وهؤلاء ، وعلى هذا تدل الأحاديث الصحيحة المدنية ، وهو قول أبي يوسف ، ومحمد بن الحسن وهو الرواية الأخرى عن أحمد .
والمقصود هنا أن من المسائل مسائل لا يمكن أنْ يُعملَ فيها بقولٍ يجمعٌ عليه ، لكن ولله الحمد القول الصحيح عليه دلائل شرعية تبين الحق .
ومن ذلك فسخ الحج إلى العمرة ، فإن الحج الذي اتفق الأمة على جوازه أن يُهِل متمتعاٍ يُحْرِمِ بِعُمرةٍ إبتداء ، ويُهِل قارناً وقد ساق الهدى ، فأما إن أفرِد أو قرن ولم يسق الهدى ففي حجه نزاع بينَ السلفِ والخلف .
والمقصود هنا القراءة خلف الإمام فنقول : إذا جهر الإمام استمع لقراءته ، فإن كان لا يسمع لبعده فإنه يقرأ في أصح القولين ، وهو قول أحمد وغيره ، وإن كان لا يسمع لصمه ، أو كان يسمع همهمة الإمام ولا يفقه ما يقول : ففيه قولان في مذهب أحمدٍ ، وغيرِهِ .
والأظهر أنه يقرأ ؛ لأن الأفضل أن يكون إما مستمعاً ، وإما قارئا ، وهذا ليس بمستمع ، ولا يحصل له مقصود السماع ، فقراءته أفضل من سكوتِهِ ، فنذكر الدليل على الفصلين . على أنّه في حال الجهرِ يسْتمع ، وأنه في حال المخافتة يقرأ .
فالدليل على الأول الكتاب والسنة والاعتبار :
( أما الأول ) فإنه تعالى قال: ﴿ وَ إِذَا قُرِىءَ القُرآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ ( الأعراف : ٢٠٤ ) وقد استفاض عن السلف أنها نزلت في القراءة في الصلاة ، وقال بعضهم في الخطبة ، وذكر أحمد بن حنبل
8
الإجماع على أنها نزلت في ذلك، وذكر الإجماع على أنه لا تجب القراءة على المأموم حال الجهر(١).
ثم يقول: قوله تعالى: ﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ (الأعراف: ٢٠٤) لفظ عام. فإما أن يَخْتَصّ القراءة في الصلاة، أو في القراءة في غير الصلاة، أو يعمهما. والثاني باطل قطعاً؛ لأنه لم يقل أحد من المسلمين إنه يجب الاستماع خارج الصلاة، ولا يجب في الصلاة، ولأن استماع المستمع إلى قراءة الإمام الذي يأتم به ويجب عليه متابعته أولى من استماعه إلى قراءة من يقرأ خارج الصلاة داخلة في الآية، إما على سبيل الخصوص، وإما على سبيل العموم، وعلى التقديرين فالآية دالة على أمر المأموم بالإنصات لقراءة الإمام، وسواء كان أمر إيجاب أو استحباب.
فالمقصود حاصل. فإن المراد أن الاستماع أولى من القراءة، وهذا صريح في دلالة الآية على كل تقدير، والمنازع يُسَلِّم أن الاستماع مأمور به دون القراءة، فيما زاد على الفاتحة. والآية أمرت بالإنصات إذا قرئ القرآن. والفاتحة أم القرآن، وهي التي لابد من قراءتها في كل صلاة، والفاتحة أفضل سور القرآن. وهي التي لم ينزل في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور ولا في القرآن مثلها(٢)، فيمتنع أن يكون المراد بالآية الاستماع إلى غيرها دونها، مع
(١) مسائل الإمام أحمد رواية أبي داود السجستاني ص (٣٧)
(٢) أخرجه الترمذي (٢٨٧٥) وابن خزيمة (٥٠٠) وأحمد (٢/ ٣٥٧، ٤١٣) عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة، وأخرجه الحاكم (١/ ٥٥٨) عن الأعرج عن أبي هريرة، والدارمي (٣٣٧٦) ومالك في الموطأ (٣٩) والحاكم (١/ ٥٥٧) عن أبي سعيد مولى عامر بن كريز، وأخرجه النسائي (٢/ ١٣٩)، وابن حبان (١٧١٤) موارد، وابن خزيمة (٥٠١) وأحمد (٥/ ١١٤) عن أبي بن كعب، وهو حديث صحيح.
= قال الحافظ في الفتح (٨/ ١٥٧): أخرجه الترمذي من طريق الدراوردي والنسائي من طريق روح
9
إطلاق لفظ الآية عمومها مع أن قراءتها أكثر وأشهر، وهي أفضل من غيرها. فإن قوله: ﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ﴾ (الأعراف: ٢٠٤) يتناولها، كما يتناول غيرها، وشموله لها أظهر لفظاً ومعنى. والعادل عن استماعها إلى قراءتها إنما يعدل لأنَّ قراءتها عنده أفضل من الاستماع، وهذا غلط يخالف النصَّ والإجماع، فإن الكتاب والسنة أمرت المؤتم بالاستماع دون القراءة، والأمَّةُ متفقة على أَنَّ استماعه لماَ زاد على الفاتحةِ أفضل من قراءتهِ لما زاد.
فلو كانت القراءة لما يقرأه الإمام أفضل من الاستماع لقراءته لكان قراءةُ المأموم أفضلَ من استماعِهِ (١) لما زاد على الفاتحة، وهذا لم يقل به أحد. وإنما نازع من نازع في الفاتحة لظنه أنها واجبة على المأموم مع الجهر، أو مستحبة له حينئذ.
وجوابه : أنَّ المصلحةَ الحاصلة له بالقراءة يحصل بالاستماعِ ماهو أفضلُ منها.
بدليل استماعِهِ لما زاد على الفاتحةِ، فلولا أنه يحصل له بالاستماع ما هو أفضل من القراءةِ لكانَ الأولى أنْ يفعلَ أفضل الأمرين، وهو القراءة، فلما دل الكتاب والسنة والإجماع على أنَّ الاستماع أفضل له من القراءة، علم أنَّ المستمع يحصلُ له أفضل مما يحصل للقارىءِ، وهذا المعنى موجود في الفاتحةِ
= بن القاسم وأحمد من طريق عبد الرحمن بن إبراهيم وابن خزيمة من طريق حفص بن ميسرة كلهم عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة رضى الله عنه قال: (خرج النبي صلى الله عليه وسلم على أبي بن كعب) فذكر الحديث وأخرجه الترمذي وابن خزيمة من طريق عبد الحميد بن جعفر والحاكم من طريق شعبة كلاهما عن العلاء مثله لكن قال (عن أبي هريرة رضى الله عنه) ورجح الترمذي كونه من مسند أبي هريرة وقد أخرجه الحاكم أيضاً من طريق الأعرج عن أبي هريرة ((أن النبي صلى الله عليه وسلم نادى أبي بن كعب)) وهو مما يقوى ما رجحه الترمذي وجمع البيهقي بأن القصة وقعت لأبي بن كعب ولأبي سعيد بن المعلى ويتعين المصير إلى ذلك لاختلاف مخرج الحدثين واختلاف سياقهما اهـ.
(١) في المطبوع (قراءته) والتصحيح ليستقيم المعنى.
10
وغيرها، فالمستمعُ لقراءة الإمام يحصل له أفضل مما يحصل بالقراءة، وحينئذ فلا يجوزُ أَنْ يُؤْمَرَ بالأدنى وَ يُنهى عَنِ الأعلى.
وثبت أنه في هذه الحال قراءة الإمام له قراءة، كما قال ذلك جماهير السلف والخلف من الصحابة والتابعين لهم بإحسان. وفي ذلك الحديث المعروف عن النبي ﷺ أنه قال: «مَنْ كَانَ لَهُ إمامٌ فَقِراءَةُ الإمامِ لَهُ قِرَاءَة». وهذا الحديث روي مرسلا(١)، ومسنداً لكن أكثر الأئمة الثقاة رووه مرسلا عن عبد الله بن شداد عن النبي ﷺ، وأسنده بعضهم، ورواه ابن ماجه مسنداً(٢)، وهذا المرسل قد عضده ظاهر القرآن والسنة، وقال به جماهير أهل العلم من الصحابة والتابعين ومُرْسِلُه من أكابِرِ التابعينَ، ومثل هذا المرسل يُحْتَجُ بِهِ باتفاق الأئمة الأربعةِ، وغيرِهم، وقد نص الشافعيِّ على جوازِ الاحتجاج بمثل هذا المرسلِ(٣).
(١) حسن لغيره أخرجه الدارقطني (١ / ٣٢٥) وقال وهو الصواب - يعني مرسلاً - وابن عدي في الكامل (٧ / ٢٤٧٧). وعبد الرزاق (٢٧٩٧) وشرح معاني الآثار (١ / ٢١٧) والبيهقي (٢ / ١٦٠) قال الذهبي الموقظة (ص ٣٩): فإن المرسل إذا صَحَّ إلى تابعى كبير، فهو حجة عند خلق من الفقهاء اهـ قلت: ولكن هذا بشروط كما سننقل عن الإمام الشافعي فيما بعد إن شاء الله تعالى.
(٢) في سننه (٨٥٠) والدارقطني (١ /٣٢٣ - ٣٢٥) وابن عدي في الكامل (٢ / ٥٤٢، ٧٠٦)، (٦/ ٢١٠٧)، (٧ / ٢٤٧٧ - ٢٤٧٨) والبيهقي (٢ / ١٥٩، ١٦٠) وأحمد (٣ / ٣٣٩)، وشرح معاني الآثار (١ / ٢١٧). أبو نعيم (٧ / ٣٣٤) وابن الجوزي في العلل المتناهية (١ / ٤٢٧ - ٤٢٩) عن جابر وابن عمر والبيهقي في كتاب (القراءة خلف الإمام) ص ١٤٧ بتحقيق أبي هاجر وهو حديث حسن. وأسانيده كلها ضعيفة كما بينها الدارقطني في سننه (١ / ٣٢٥) والحافظ في الفتح (٢ / ٢٤٢) وابن عدي في الكامل في الأماكن المذكورة وانظر تحقيق الأستاذ الألباني في الإرواء حديث (٥٠٠) فقد أعطى المقام حقه.
(٣) قال الشافعي في الرسالة ص ٤٦١ ما نصه: - فمن شاهد أصحاب رسول الله من التابعين، فحدثَ حديثاً منقطعاً عن النبيّ -: اعْتبِرَ عليه بأمور: - منها: أن يُنظَرَ إلى ما أَرْسَلَ من الحديث فإن شرِكَهُ فيه الحفاظُ المأمونونَ فأسندوه إلى رسول الله بمثل معنى مارَوى: - كانت هذه دلالة على صحة مَن قَبِل عنه وحِفْظِهِ. =
11
فتبين أن الاستماع إلى قراءة الإمام أمر دل عليه القرآن دلالة قاطعة : لأن هذا من الأمور الظاهرة التي تحتاج إليها جميع الأمة، فكان بيانها في القرآن مما يحصل به مقصود البيان، وجاءت السنة موافقة للقرآن. ففي صحيح مسلم عن أبي موسى الأشعري قال: ((إِنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ خَطَبَنَا، فَبَيَّنَ لِنا سُنَّتَنَا، وَعَلَّمَنَا صَلاتَنا، فَقالَ: أَقِيمُوا صُفُوفَكُمْ، ثُمَّ لْيُؤْمِّكُم أحدكم، فَإذا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا وإذَا قَرَأْ فَأنصتُوا)). وهذا من حديث أبي موسى الطويل المشهور. لكن بعض الرواة زاد فيه على بعض، فمنهم من لم يذكر قوله: ((وإِذَا قَرَأْ فَأنصتُوا)) ومنهم من ذكرها، وهي زيادة من الثقة. لا تخالف المزيد، بل توافق معناه، ولهذا رواها مسلم في صحيحه(١).
فإن الإنصات إلى قراءة القارىء من تمام الائتمام به فإن من قرأ على قوم لا يستمعون لقراءته، لم يكونوا مؤتمين به، وهذا مما يُبين حِكمةً سقوط القراءة عن(٢) المأموم، فإن متابعته لإمامه مُقَدمة على غيرها، حتى في الأفعال، فإذا أدركه ساجداً سجد معه، وإذا أدركه في وتر من صلاته تشهد عقب الوتر، وهذا لو فعله منفرداً لم يجز، وإنما فعله لِأَجْلِ الائتمام، فيدل على أنَّ الائتمامَ يَجِبُ بِهِ مَا لا يجب على المنفرد، ويسقط به ما يجب على المنفرد.
=- وإن انفرد بإرسال حديثٍ لم يَشْرَكْهُ فيه من يُسْنِدُه قُبِلَ ما ينفرد به من ذلك. ويُعْتَبَرُ عليه بأن يُنْظَرَ: هل يوافقُه مُرْسِلٌ غيره ممن قُبِل العلمُ عنه من غير رجاله الذين قُبِلَ عنهم؟
- فإن وُجدَ ذلك كانت دلالة يَقْوَى له مرسلُه وهي أضعف من الأولى.
- وإن لم يُوجد ذلك نظر إلى بعض ما يُرْوَى عن بعض أصحاب رسول الله قولاً له، فإن وجد ما يُوافقُ ما رَوَى عن رسول الله كانت في هذه دلالةٌ على أنه لم يأخذ مُرْسَلَه إلا عن أصل يصحُّ إن شاء الله.
- وكذلك إن وُجِدَ عَوامٌ من أهل العلم يُفتُون بمثل معنى ما رَوَى عن النبيَّ ا. هـ بلفظه.
(٢) (٢ / ١٤، ١٥) وابن ماجه (٨٤٧) والبيهقي (٢ / ١٥٦) والبخارى في جزء القراءة ص ٦٥.
(٢) في المطبوع (على) والتصحيح ليستقيم المعنى.
12
وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله ﷺ: ((إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا، وإذا قرأ فأنصتوا)). رواه أحمد، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه(١). قيل لمسلم بن الحجاج: حديث أبي هريرة صحيح، يعني ((وإذا قرأ فأنصتوا)) قال: هو عندي صحيح. فقيل له: لم لا تضعه ههنا؟ يعني في كتابه، فقال: ليس كل شيء عندي صحيح وضعته ههنا، إنما وضعت ههنا ما أجمعوا عليه(٢).
وروى الزهري عن ابن أكيمة الليثي عن أبي هريرة، أن رسول الله ﷺ انصرف من صلاة جهر فيها، فقال: ((هل قرأ معي أحد منكم آنفاً؟)) فقال رجل: نعم يا رسول الله! قال: ((إني أقول مالي أنازع القرآن)). قال: فانتهى الناس عن القراءة مع رسول الله ﷺ فيما جهر فيه النبي ﷺ بالقراءة في الصلوات، حين سمعوا ذلك من رسول الله ﷺ. رواه أحمد وأبو داود، وابن ماجه، والنسائي، والترمذي، وقال: حديث حسن. قال أبو داود: سمعت محمد بن يحيى بن فارس، يقول: قوله: ((فانتهى الناس)) من كلام الزهري(٣).
في المسند (٢ / ٣٧٦، ٤٢٠) وأبو داود (٦٠٤) والنسائي (٢ / ١٤٢) وابن ماجه (٨٤٦). والبيهقي (٢ / ١٥٦ - ١٥٧) وشرح معاني الآثار (١ / ٢١٧).
في صحيحه (٢ / ١٥) قال السندي في حاشية على النسائي (٢ / ١٤٢): هذا حديث صححه مسلم ولا عبرة بمن ضعفه والبخاري في جزء القراءة (٢٦٧).
أحمد في المسند (٢ / ٢٤٠، ٢٨٤، ٢٨٥، ٣٠١ - ٣٠٢، ٤٨٧) وأبو داود (٨٢٦، ٨٢٧) وإسناده صحيح والترمذي (٣١٢) وقال هذا حديث حسن وصححه العلامة أحمد شاكر والنسائي (٢ / ١٤٠ - ١٤١) وابن ماجه (٨٤٨، ٨٤٩) ومالك (١ / ٨٦) والبغوي في شرح السنة (٦٠٧) وابن حبان (٤٥٤، ٤٥٥، ٤٥٦) والحميدي في مسنده (٩٥٣) والهمذاني في الاعتبار (ص ٩٩، ص ١٠٠، ص ١٠١) والبيهقي (٢ / ١٥٧) والبخاري في جزء القراءة (٩٦، ٩٨، ٢٦٢) وعبد الرزاق (٢٧٩٥، ٢٧٩٦) وشرح معاني الآثار (١ / ٢١٧).
13
وروى عن البخاري نحو ذلك ، فقال - في الكنى من التاريخ(١) -: وقال أبو صالح حدثني الليث حدثني يوسف عن ابن شهاب سمعت ابن أكيمة الليثي يحدث أن سعيد بن المسيب سمع أبا هريرة يقول: صلى لنا النبي ﷺ صلاة جهر فيها بالقراءة ثم قال: (( هل قرأ منكم أحد معي ؟ قلنا : نعم ، قال : إني أقول مالي أنازع القرآن)) قال: فانتهى الناس عن القراءة في جهر الإمام ، قال الليث : حدثني ابن شهاب ، ولم يقل : فانتهى الناس ، وقال بعضهم : هو قول الزهري ، وقال بعضهم : هو قول ابن أكيمة ، والصحيح ، أنه قول الزهري.
وهذا إذا كان من كلام الزهري فهو من أدل الدلائل على أن الصحابة لم يكونوا يقرأون في الجهر مع النبي ﷺ، فإن الزهري من أعلم أهل زمانه ، أو أعلم أهل زمانه بالسنة ، وقراءة الصحابة خلف النبي ﷺ إذا كانت مشروعة واجبة أو مستحبة تكون من الأحكام العامة ، التي يعرفها عامة الصحابة والتابعين لهم بإحسان ، فيكون الزهري من أعلم الناس بها ، فلو لم يبينها لا ستدل بذلك على انتفائها ، فكيف إذا قطع الزهري بأن الصحابة لم يكونوا يقرأون خلف النبي ﷺ في الجهر.
فإن قيل: قال البيهقى(٢) : ابن أكيه رجل مجهول لم يحدث إلا بهذا الحديث وحده ، ولم يحدث عنه غير الزهري.
قيل : ليس كذلك ، بل قد قال أبو حاتم الرازي فيه(٣) : صحيح
التاريخ الكبير (ص ٣٨).
في سننه (٢ / ١٥٩).
في الجرح والتعديل (٣ / ٣٦٢) ترجمة (٢٠٠٢).
وقال الحافظ في التقريب (٢ / ٤٩) عُمَارة: بضم أوله والتخفيف ، ابن أُكَيْمَه، بالتصغير ، الليثى أبو الوليد المدني ، وقيل : اسمه عمار، أو عمرو، أو عامر يأتى غير مسمى ، ثقة من الثالثة مات سنة إحدى ومائة وله تسع وسبعون.
14
الحديث حديثه مقبول. وحكي عن أبي حاتم البستي أنه قال: روي عنه الزهري، وسعيد بن أبي هلال، وابن أبيه عمر، وسالم بن عمار ابن أكيه بن عمر.
وقد روى مالك (١) في موطئه عن وهب بن كيسان، أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: ((من صلى ركعة لم يقرأ فيها، لم يصل إلا وراء الإمام)) وروى (٢) عن نافع أن عبد الله بن عمر كان إذا سئل: هل يقرأ خلف الإمام؟ يقول: إذا صلى أحدكم خلف الإمام تجزئه قراءة الإمام، وإذا صلى وحده فليقرأ. قال: وكان عبد الله بن عمر، لا يقرأ خلف الإمام، وروى مسلم في صحيحه (٣) عن عطاء بن يسار أنه سأل زيد بن ثابت عن القراءة مع الإمام، فقال: لا قراءة مع الإمام في شيء.
وروى البيهقي (٤) عن أبي وائل أن رجلا سأل ابن مسعود عن القراءة خلف الإمام، فقال: أُنصِتْ للقرآن، فإن في الصلاة شغلا، وسيكفيك ذلك الإمامُ، وابن مسعود وزيد بن ثابت هما فقيها أهل المدينة وأهل الكوفة من الصحابة، وفي كلامهما تنبيه على أن المانع إنصاته لقراءة الإمام.
وكذلك البخاري في «كتاب القراءة خلف الإمام عن علي بن أبي طالب
(١) الموطأ (١ / ٨٤) وعنه الترمذي (٣١٣) واسناده صحيح وقال الترمذي هذا حديث حسن صحيح والطحاوي (١ / ٢١٨) وأخرجه مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم الدارقطني (١ / ٣٢٧) وقال: يحيى بن سلام ضعيف والصواب موقوف وابن عدي (٧ / ٢٧٠٨) وقال لم يرفعه عن مالك غير يحيى بن سلام. وقال يكتب حديثه مع ضعفه.
(٢) في الموطأ (١ / ٨٦) والبيهقي في سننه (٢ / ١٦١) والطحاوي في معاني الآثار (١ / ٢١٨). وعبد الرزاق (٢٧٤٥) موقوفاً عليه وبمعناه (٢٨١١، ٢٨١٢).
(٣) ليس في صحيح مسلم كما قال المؤلف رحمه الله وإنما في المصنف لابن أبي شيبة (١ / ٣٧٦) والبيهقي (٢ / ١٦٣) والطحاوي في معاني الآثار (١ / ٢١٩).
(٤) السنن الكبرى (٢ / ١٦٠) وعبد الرزاق (٢٨٠٣) والطحاوي في شرح معاني الآثار (١ / ٢١٩).
15
قال : وروى الحارث عن علي يسبح في الأخريين ، قال : ولم يصح ، وخالفه عبد الله (١) بن أبي رافع ، حدثنا عثمان بن سعيد، سمع عبيد الله بن عمر (٢) وعن إسحق بن راشد ، عن الزهري ، عن عبد (١) الله بن أبي رافع . مولي بني هاشم ، حدثه عن علي بن أبي طالب: إذا لم يجهر الإمام في الصلوات ، فاقرأ بأم الكتاب ، وسورة أخرى في الأوليين ، من الظهر والعصر ، وفاتحة الكتاب في الأخريين من الظهر والعصر ؛ وفي الآخرة من المغرب ، وفي الأخريين من العشاء (٣) .
وأيضاً ففي إجماع المسلمين على أنه فيما زاد على الفاتحة يؤمر بالاستماع دون القراءة : دليل على أن استماعه لقراءة الإمام خير له من قراءته معه ، بل على أنه مأمور بالاستماع دون القراءة مع الإمام .
وأيضاً : فلو كانت القراءة في الجهر واجبة على المأموم للزم أحد أمرين :
إما أن يقرأ مع الإمام ، وإما أن يجب على الإمام أن يسكت له حتى يقرأ ، ولم نعلم نزاعا بين العلماء أنه لا يجب على الإمام أن يسكت القراءة المأموم بالفاتحة ولا غيرها ، وقراءته معه منهي عنها بالكتاب والسنة . فثبت أنه لا تجب عليه القراءة معه فى حال الجهر ، بل نقول :
لو كانت قراءة المأموم في حال الجهر والاستماع مستحبة ، لا ستحب للإمام أن يسكت لقراءة المأموم . ولا يستحب للإمام السكوت ليقرأ المأموم عند جماهير العلماء ، وهذا مذهب أبي حنيفة ومالك وأحمد بن حنبل وغيرهم .
وحجتهم في ذلك أن النبي ﷺ لم يكن يسكت ليقرأ المأمومون ، ولا نقل
(١) في المطبوع (عبيد الله ) والتصحيح من جزء القراءة للبخاري.
(٢) في المطبوع ( عمرو) والتصحيح من الأصل .
(٣) البخاري في جزء القراءة الفقرة الأولى والحاكم في المستدرك (١ / ٢٣٩) والبيهقي (٢ / ١٦٨).
16
هذا أحد عنه ، بل ثبت عنه في الصحيح سكوته بعد التكبير للاستفتاح (١) ، وفي السنن (٢) (( أنه كان له سكتتان : سكتة أول القراءة ، وسكتة بعد الفراغ من القراءة ، وهي سكتة لطيفة للفصل لا تتسع لقراءة الفاتحة . وقد روى أن هذه السكتة كانت بعد الفاتحة ، ولم يقل أحد إنه كان له ثلاث سكتات . ولا أربع سكتات ، فمن نقل عن النبي ﷺ ثلاث سكتات أو أربع فقد قال قولا لم ينقله عن أحد من المسلمين ، والسكتة التي عقب قوله : ( ولا الضَّالِين ) من جنس السكتات التي عند رؤوس الآي ومثل هذا لا يسمى سكوتاً ؛ ولهذا لم يقل أحد من العلماء إنه يقرأ في مثل هذا .
وكان بعض من أدركنا من أصحابنا يقرأ عقب السكوت عند رؤوس الآي . فإذا قال الإمام ﴿الحمدُ للهِ ربِّ العالَمِينَ﴾ قال: ﴿الحمدُ للهِ ربّ العالِمِين﴾ وإذا قال: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ قال: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ وهذا لم يقله أحد من العلماء .
وقد اختلف العلماء في سكوت الإمام على ثلاثة أقوال : فقيل :
لا سكوت في الصلاة بحال ، وهو قول مالك .
وقيل : فيها سكتة واحدة للاستفتاح ، كقول أبي حنيفة
وقيل : فيها سكتتان ، وهو قول الشافعي ، وأحمد ، وغيرهما لحديث سمرة بن جندب: ((إن رسول الله ﷺ كان له سكتتان: سكتة حين يفتتح الصلاة ، وسكتة إذا فرغ من السورة الثانية. قبل أن يركع )) فذكر ذلك لعمران بن حصين ، فقال : كذب سمرة . فكتب في ذلك إلى المدينة إلى أبي بن كعب ،
(١) أخرجه البخاري (٢ / ٢٢٧) ومسلم (٢ / ٩٨) وأبو داود (٧٨١) والنسائي (٢ / ١٢٨ - ١٢٩) والدارمي (١٢٤٧) والبغوي في شرح السنة (٥٧٤) والبخاري في جزء القراءة (٢٨٠، ٢٨١)، (٣٥) وابن خزيمة (١٥٧٩) .
(٢) سيذكره المؤلف بعد ذلك .
17
فقال : صدق سمرة ، رواه أحمد (١) . واللفظ له وأبو داود وابن ماجه، والترمذي (٢)، وقال . حديث حسن (٣) .
وفي رواية أبي داود (٤): (( سكتة إذا كبر. وسكتة إذا فرغ من ﴿غيرِ المغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَ لاَ الضَّالِّينَ﴾ وأحمد رجح الرواية الأولى ، واستحب السكتة الثانية ؛ لأجل الفصل . ولم يستحب أحمد أن يسكت الإمام لقراءة المأموم، ولكن بعض أصحابه استحب ذلك، ومعلوم أن النبي ﷺ لو كان يسكت سكتة تتسع لقراءة الفاتحة ، لكان هذا مما تتوفر الهمم والدواعي على نقله ، فلما لم ينقل هذا أحد علم أنه لم يكن .
والسكتة الثانية في حديث سمرة قد نفاها عمران بن حصين ، وذلك أنها سكتة يسيرة ، قد لا ينضبط مثلها ، وقد روي أنها بعد الفاتحة . ومعلوم أنه لم يسكت إلا سكتتين ، فعلم أن إحداهما طويلة والأخرى بكل حال لم تكن طويلة متسعة لقراءة الفاتحة .
وأيضاً فلو كان الصحابة كلهم يقرأون الفاتحة خلفه إما في السكتة الأولى وإما في الثانية لكان هذا مما تتوفر الهمم والدواعي على نقله ، فكيف ولم ينقل
(١) في المسند (٥ / ٧، ١١، ١٢، ١٥، ٢٠، ٢١، ٢٢، ٢٣).
(٢) أخرجه أبو داود (٧٧٧، ٧٧٨، ٧٧٩، ٧٨٠) والترمذي (٢٥١) وحسنه وابن ماجه (٨٤٤، ٨٤٥). وعبد الرزاق (٢٧٩٢)، (٢٨٢٠). والدارمي (١٢٤٦) وابن حبان (٤٤٨) موارد، والدارقطني (١ / ٢٠٩) والبخاري في جزء القراءة (٢٧٧، ٢٧٨)، (٣٣) وابن خزيمة (١٥٧٨) والدارقطني (١ / ٣٣٦) .
(٣) وقال العلامة أحمد شاكر رحمه الله: هو حديث صحيح رواته ثقات وإنما حسنه الترمذي للنزاع في سماع الحسن من سمرة وقد سبق أن تكلمنا في ذلك وأثبتنا سماعه منه . قلت : هو في تخريج سنن الترمذي (٢ / ٣٨٣) .
قلت : بل إسناده ضعيف لعنعنة قتادة والحسن البصرى وقد قيل : إنه لم يسمع من سمرة إلا حديث العقيقة كذا رجح الأستاذ الألباني وعبد القادر الأرناؤوط .
(٤) رقم (٧٧٩) .
18
هذا أحد عن أحد من الصحابة أنهم كانوا في السكتة الثانية خلفه يقرأون الفاتحة، مع أن ذلك لو كان مشروعا لكان الصحابة أحق الناس بعلمه، وعمله، فعلم أنه بدعة.
وأيضاً فالمقصود بالجهر استماع المأمومين، ولهذا يؤمنون على قراءة الإمام في الجهر دون السر، فإذا كانوا مشغولين عنه بالقراءة فقد أُمِرَ أن يقرأ على قوم لا يستمعون لقراءته، وهو بمنزلة أن يُحَدِّث من لم يستمع لحديثه، ويخطب من لم يستمع لخطبته، وهذا سفه تنزه عنه الشريعة. ولهذا روي في الحديث: «مثل الذي يتكلم والإمام يخطب كمثل الحمار يحمل أسفاراً» (١) فهكذا إذا كان يقرأ والإمام يقرأ عليه.
***
(١) ضعيف أخرجه ابن الجوزي في العلل المتناهية (١ / ٤٦٣) وأحمد في المسند (١ / ٢٣٠) عن ابن عباس وفيه مجالد بن سعيد وهو ضعيف.
19
فصل
وإذا كان المأموم مأموراً بالاستماع والإنصات لقراءة الإمام، لم يشتغل عن ذلك بغيرها، لا بقراءة، ولا ذكر، ولا دعاء، ففي حال جهر الإمام لا يستفتح ولا يتعوذ. وفي هذه المسألة نزاع. وفيها ثلاثة أقوال، هي ثلاث روايات عن أحمد.
قيل: إنه حال الجهر يستفتح ويتعوذ، ولا يقرأ؛ لأنه بالاستماع يحصل له مقصود القراءة؛ بخلاف الاستفتاح والاستعاذة، فإنه لا يسمعهما.
وقيل: يستفتح ولا يتعوذ، لأن الاستفتاح تابع لتكبيرة الإحرام بخلاف التعوذ فإنه تابع للقراءة، فمن لم يقرأ لا يتعوذ.
وقيل: لا يستفتح ولا يتعوذ حال الجهر، وهذا أصح، فإن ذلك يشغل عن الاستماع والإنصات المأمور به، وليس له أن يشتغل عما أمر به بشيء من الأشياء.
ثم اختلف أصحاب أحمد: فمنهم من قال: هذا الخلاف إنما هو في حال سكوت الإمام، هل يشتغل بالاستفتاح، أو الاستعاذة، أو بأحدهما أو لا يشتغل إلا بالقراءة لكونها مختلفا في وجوبها. وأما في حال الجهر فلا يشتغل بغير الإنصات، والمعروف عند أصحابه أنَّ هذا النزاع هو في حال الجهر، لما تقدم من التعليل.
وأما في حال المخافتة فالأفضل له أن يستفتح، واستفتاحه حال سكوت الإمام أفضل من قراءته في ظاهر مذهب أحمد، وأبي حنيفة وغيرهما؛ لأن القراءة يعتاض عنها بالاستماع، بخلاف الاستفتاح.
وأما قول القائل: إنَّ قراءة المأموم مختلف في وجوبها، فيقال: وكذلك الاستفتاح هل يجب؟
20