Al-Iḥkām fī uṣūl al-aḥkām
الإحكام في أصول الأحكام
Publisher
المكتب الإسلامي
Edition Number
الثانية
Publication Year
1402 AH
Publisher Location
(دمشق - بيروت)
Genres
Jurisprudence
وَأَيْضًا فَإِنَّ الْمُكَلَّفَ يُوصَفُ بِكَوْنِهِ مُؤْمِنًا حَالَةَ كَوْنِهِ غَافِلًا عَنِ التَّصْدِيقِ بِالنَّوْمِ وَغَيْرِهِ.
وَأَيْضًا فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ الْإِيمَانُ فِي الشَّرْعِ هُوَ الْإِيمَانَ اللُّغَوِيَّ أَيِ التَّصْدِيقَ لَسُمِّيَ فِي الشَّرْعِ الْمُصَدِّقُ بِشَرِيكِ الْإِلَهِ تَعَالَى مُؤْمِنًا، وَالْمُصَدِّقُ بِاللَّهِ مَعَ إِنْكَارِ الرِّسَالَةِ مُؤْمِنًا. . . إِلَى نَظَائِرِهِ.
وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: أَمَّا الْآيَاتُ السَّابِقُ ذِكْرُهَا فَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ فِي جَوَابِهَا: إِنَّ إِطْلَاقَ اسْمِ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ إِنَّمَا كَانَ بِطَرِيقِ الْمَجَازِ عَلَى مَا سَبَقَ، وَالْمَجَازُ غَيْرُ خَارِجٍ عَنِ اللُّغَةِ، وَتَسْمِيَةُ إِمَاطَةِ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ إِيمَانًا أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ لِكَوْنِهِ دَلِيلًا عَلَى الْإِيمَانِ، فَعَبَّرَ بَاسِمِ الْمَدْلُولِ عَنِ الدَّالِّ وَهُوَ أَيْضًا جِهَةٌ مِنْ جِهَاتِ التَّجَوُّزِ. (١) فَإِنْ قِيلَ: الْأَصْلُ إِنَّمَا هُوَ الْحَقِيقَةُ.
قُلْنَا: إِلَّا أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ التَّغْيِيرُ وَمُخَالَفَةُ الْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ، فَيَتَقَابَلَانِ وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا أَوْلَى مِنَ الْآخَرِ لِمَا سَبَقَ.
وَقَوْلُهُمْ: إِنِ الْإِيمَانَ هُوَ الْإِسْلَامُ بِمَا ذَكَرُوهُ فَهُوَ مُعَارَضٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا﴾ وَلَوِ اتَّحَدَا لَمَا صَحَّ هَذَا الْقَوْلُ (٢)، وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا أَوْلَى مِنَ الْآخَرِ بَلِ التَّرْجِيحُ لِلتَّغَايُرِ نَظَرًا إِلَى أَنَّ الْأَصْلَ عِنْدَ تَعَدُّدِ الْأَسْمَاءِ تَعَدُّدُ الْمُسَمَّيَاتِ؛ وَلِئَلَّا يَلْزَمَ مِنْهُ التَّغْيِيرُ فِي الْوَضْعِ، وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ مَا ذَكَرُوهُ مِنَ الِاسْتِثْنَاءِ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ﴾ فَالْمُرَادُ بِهِ التَّصْدِيقُ بِالصَّلَاةِ
(١) تَقَدَّمَ ص " ٣٥ " أَنَّ الْأَسْمَاءَ الشَّرْعِيَّةَ بَاقِيَةٌ عَلَى مَعَانِيهَا اللُّغَوِيَّةِ غَيْرَ أَنَّ الشَّرْعَ ضَمَّ إِلَيْهَا قُيُودًا تُحَدِّدُ الْمَقْصُودَ مِنْهَا فَلَمْ يَسْتَعْمِلْهَا مُطْلَقَةً.
(٢) تَقَدَّمَ أَنَّ الْإِيمَانَ وَالْإِسْلَامَ إِذَا اجْتَمَعَا اخْتَلَفَا تَفْسِيرًا، وَاسْتَلْزَمَ كُلٌّ مِنْهُمَا الْآخَرَ عِنْدَ الصِّحَّةِ، وَفِي الْآيَةِ مَعْنَيَانِ: الْأَوَّلُ الْحُكْمُ عَلَى هَؤُلَاءِ الْأَعْرَابِ بِالنِّفَاقِ، وَنَفْيُ أَصْلِ الْإِيمَانِ عَنْهُمْ، وَأَنَّ إِسْلَامَهُمْ كَانَ خَوْفَ الْقَتْلِ وَالسَّبْيِ وَنَحْوِهِمَا. وَالثَّانِي: نَفْيُ كَمَالِ الْإِيمَانِ الْوَاجِبِ الَّذِي ادَّعَوْهُ، وَإِثْبَاتُ الْإِسْلَامِ لَهُمْ فِي الْجُمْلَةِ، فَعَلَى الْأَوَّلِ يَكُونُ بَيْنَهُمَا تَلَازُمٌ فِي السَّلْبِ، وَعَلَى الثَّانِي يَكُونُ بَيْنَهُمَا تَلَازُمٌ فِي الْإِثْبَاتِ.
1 / 43