352

Al-Iḥkām fī uṣūl al-aḥkām

الإحكام في أصول الأحكام

Publisher

المكتب الإسلامي

Edition Number

الثانية

Publication Year

1402 AH

Publisher Location

(دمشق - بيروت)

مِنِ احْتِمَالِ الْكَذِبِ فِي حَقِّ الْفَاسِقِ، فَكَانَ أَوْلَى بِالرَّدِّ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ قَبُولِ قَوْلِهِ فِي إِخْبَارِهِ أَنَّهُ مُتَطَهِّرٌ، حَتَّى إِنَّهُ يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ بِهِ فِي الصَّلَاةِ، مَعَ أَنَّ الظَّنَّ بِكَوْنِهِ مُتَطَهِّرًا شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ بِهِ وَقَبُولِ (١) رِوَايَتِهِ؛ لِأَنَّ الِاحْتِيَاطَ وَالتَّحَفُّظَ فِي الرِّوَايَةِ أَشَدُّ مِنْهُ فِي الِاقْتِدَاءِ بِهِ فِي الصَّلَاةِ؛ وَلِهَذَا صَحَّ الِاقْتِدَاءُ بِالْفَاسِقِ عِنْدَ ظَنِّ طَهَارَتِهِ، وَلَا تُقْبَلُ رِوَايَتُهُ وَإِنْ ظُنَّ صِدْقُهُ.
وَمَنْ قَالَ بِقَبُولِ شَهَادَةِ الصِّبْيَانِ فِيمَا يَجْرِي بَيْنَهُمْ مِنَ الْجِنَايَاتِ (٢) فَإِنَّمَا كَانَ اعْتِمَادُهُ فِي ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْجِنَايَاتِ فِيمَا بَيْنَهُمْ مِمَّا تَكْثُرُ، وَأَنَّ الْحَاجَةَ مَاسَّةٌ إِلَى مَعْرِفَةِ ذَلِكَ بِالْقَرَائِنِ، وَهِيَ شَهَادَتُهُمْ مَعَ كَثْرَتِهِمْ قَبْلَ تَفَرُّقِهِمْ، وَلَيْسَ ذَلِكَ جَارِيًا عَلَى مِنْهَاجِ الشَّهَادَةِ وَلَا الرِّوَايَةِ (٣) .
وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إِذَا تَحَمَّلَ الرِّوَايَةَ قَبْلَ الْبُلُوغِ، وَكَانَ ضَابِطًا لَهَا، وَأَدَّاهَا بَعْدَ الْبُلُوغِ وَظُهُورِ رُشْدِهِ فِي دِينِهِ، فَإِنَّهَا تَكُونُ مَقْبُولَةً؛ لِأَنَّهُ لَا خَلَلَ فِي تَحَمُّلِهِ وَلَا فِي أَدَائِهِ، وَيَدُلُّ عَلَى قَبُولِ رِوَايَتِهِ الْإِجْمَاعُ وَالْمَعْقُولُ.
أَمَّا الْإِجْمَاعُ فَمِنْ وَجْهَيْنِ:
الْأَوَّلُ: أَنَّ الصَّحَابَةَ أَجْمَعَتْ عَلَى قَبُولِ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ الزُّبَيْرِ وَالنُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَحْدَاثِ الصَّحَابَةِ مُطْلَقًا، مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ مَا تَحَمَّلُوهُ فِي حَالَةِ الصِّغَرِ وَبَعْدَ الْبُلُوغِ.
الثَّانِي: إِجْمَاعُ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ عَلَى مَجَالِسِ الْحَدِيثِ وَقَبُولِ رِوَايَتِهِمْ لِمَا تَحَمَّلُوهُ فِي حَالَةِ الصِّبَا بَعْدَ الْبُلُوغِ.
وَأَمَّا الْمَعْقُولُ، فَهُوَ أَنَّ التَّحَرُّزَ فِي أَمْرِ الشَّهَادَةِ أَكْثَرُ مِنْهُ فِي الرِّوَايَةِ، وَلِهَذَا اخْتُلِفَ فِي قَبُولِ شَهَادَةِ الْعَبْدِ، وَالْأَكْثَرُ عَلَى رَدِّهَا.
وَلَمْ يُخْتَلَفْ فِي قَبُولِ رِوَايَةِ الْعَبْدِ، وَاعْتُبِرَ الْعَدَدُ فِي الشَّهَادَةِ (٤) بِالْإِجْمَاعِ وَاخْتُلِفَ فِي اعْتِبَارِهِ فِي الرِّوَايَةِ.
وَقَدْ أَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّ مَا تَحَمَّلَهُ الصَّبِيُّ مِنَ الشَّهَادَةِ قَبْلَ الْبُلُوغِ، إِذَا شَهِدَ بِهِ بَعْدَ الْبُلُوغِ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ، فَالرِّوَايَةُ أَوْلَى بِالْقَبُولِ.

(١) وَقَبُولِ - صَوَابُهُ بِحَذْفِ الْوَاوِ، وَهُوَ فَاعِلُ يَلْزَمُ.
(٢) كَالْمَالِكِيَّةِ.
(٣) أَيْ: فَلَا يَرِدُ نَقْضًا كَسَائِرِ الْمُسْتَثْنَيَاتِ.
(٤) أَيْ: فِي غَالِبِ أَنْوَاعِ الشَّهَادَةِ.

2 / 72