Ihkam Fi Usul Ahkam
الإحكام في أصول الأحكام
Publisher
المكتب الإسلامي
Edition Number
الثانية
Publication Year
١٤٠٢ هـ
Publisher Location
(دمشق - بيروت)
سَلَّمْنَا أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مُتَابَعَتُهُمْ فِيمَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ مِنَ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ لَكِنَّهُ مَشْرُوطٌ بِسَابِقَةِ تَبَيُّنِ الْهُدَى بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى﴾ وَالْهُدَى مَذْكُورٌ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ الْمُسْتَغْرِقَةِ، فَيَدْخُلُ فِيهِ كُلُّ هُدًى حَتَّى إِجْمَاعُهُمْ عَلَى الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ وَإِنَّمَا يَتَبَيَّنُ الْهُدَى بِدَلِيلِهِ وَإِذَا كَانَ الْإِجْمَاعُ مِنْ جُمْلَةِ الْهُدَى فَلَا بُدَّ مِنْ تَقَدُّمِ بَيَانِهِ بِدَلِيلِهِ، وَدَلِيلُ كَوْنِ الْإِجْمَاعِ هُدًى لَا يَكُونُ هُوَ نَفْسَ الْإِجْمَاعِ بَلْ هُوَ غَيْرُهُ، وَعِنْدَ ذَلِكَ فَظُهُورُ ذَلِكَ الدَّلِيلِ كَافٍ فِي اتِّبَاعِهِ عَنِ اتِّبَاعِ الْإِجْمَاعِ.
سَلَّمْنَا وُجُوبَ اتِّبَاعِ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ مُطْلَقًا لَكِنَّ الْمُرَادَ بِالْمُؤْمِنِينَ الْأَئِمَّةُ الْمَعْصُومُونَ ; لِأَنَّ سَبِيلَهُمْ لَا يَكُونُ إِلَّا حَقًّا، أَوِ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا كَانَ فِيهِمُ الْإِمَامُ الْمَعْصُومُ لِأَنَّ سَبِيلَهُمْ سَبِيلُهُ، وَسَبِيلُ الْمَعْصُومِ لَا يَكُونُ إِلَّا حَقًّا، فَكَانَ وَاجِبَ الِاتِّبَاعِ، وَالثَّانِي مَمْنُوعٌ.
سَلَّمْنَا وُجُوبَ اتِّبَاعِ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِمُ الْإِمَامُ الْمَعْصُومُ وَلَكِنْ إِذَا عُلِمَ كَوْنُهُمْ مُؤْمِنِينَ، وَالْإِيمَانُ هُوَ التَّصْدِيقُ وَهُوَ بَاطِنٌ لَا سَبِيلَ إِلَى مَعْرِفَتِهِ، وَإِذَا لَمْ يُعْلَمْ كَوْنُهُمْ مُؤْمِنِينَ فَالِاتِّبَاعُ لَا يَكُونُ وَاجِبًا لِفَوَاتِ شَرْطِهِ.
سَلَّمْنَا دَلَالَةَ مَا ذَكَرْتُمُوهُ عَلَى كَوْنِ الْإِجْمَاعِ حُجَّةً وَلَكِنَّهُ مُعَارَضٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْمَعْقُولِ.
أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ﴾ وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْحَاجَةِ إِلَى الْإِجْمَاعِ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ﴾ اقْتَصَرَ عَلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْحَاجَةِ إِلَى الْإِجْمَاعِ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ﴾، وَقَوْلُهُ: ﴿وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ نَهَى كُلَّ الْأُمَّةِ عَنْ هَاتَيْنِ الْمَعْصِيَتَيْنِ وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى تَصَوُّرِهِمَا مِنْهُمْ، وَمَنْ تُتَصَوَّرُ مِنْهُ الْمَعْصِيَةُ لَا يَكُونُ قَوْلُهُ وَلَا فِعْلُهُ مُوجِبًا لِلْقَطْعِ.
وَأَمَّا السُّنَّةُ فَهُوَ أَنَّ النَّبِيَّ ﵇ أَقَرَّ مُعَاذًا لَمَّا سَأَلَهُ عَنِ الْأَدِلَّةِ الْمَعْمُولِ بِهَا عَلَى إِهْمَالِهِ لِذِكْرِ الْإِجْمَاعِ، وَلَوْ كَانَ الْإِجْمَاعُ دَلِيلًا لَمَا سَاغَ ذَلِكَ مَعَ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ.
وَأَيْضًا فَإِنَّهُ قَدْ وَرَدَ عَنِ النَّبِيِّ ﵇ مَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ خُلُوِّ الْعَصْرِ عَمَّنْ تَقُومُ الْحُجَّةُ بِقَوْلِهِ ﵇: " «بَدَأَ الْإِسْلَامُ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ» ".
1 / 202