Ihkam Fi Usul Ahkam
الإحكام في أصول الأحكام
Publisher
المكتب الإسلامي
Edition Number
الثانية
Publication Year
١٤٠٢ هـ
Publisher Location
(دمشق - بيروت)
[الْفَصْلُ السَّادِسُ فِي الْأَحْكَامِ الثَّابِتَةِ بِخِطَابِ الْوَضْعِ وَالْأَخْبَارِ]
[الصِّنْفُ الْأَوَّلُ الْحُكْمُ عَلَى الْوَصْفِ بِكَوْنِهِ سَبَبًا]
الْفَصْلُ السَّادِسُ
فِي الْأَحْكَامِ الثَّابِتَةِ بِخِطَابِ الْوَضْعِ وَالْأَخْبَارِ وَهِيَ عَلَى أَصْنَافٍ:
الصِّنْفُ الْأَوَّلُ: الْحُكْمُ عَلَى الْوَصْفِ بِكَوْنِهِ سَبَبًا
وَالسَّبَبُ فِي اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عَمَّا يُمْكِنُ التَّوَصُّلُ بِهِ إِلَى مَقْصُودٍ مَا.
وَمِنْهُ سُمِّيَ الْحَبْلُ سَبَبًا وَالطَّرِيقُ سَبَبًا ; لِإِمْكَانِ التَّوَصُّلِ بِهِمَا إِلَى الْمَقْصُودِ. وَإِطْلَاقُهُ فِي اصْطِلَاحِ الْمُتَشَرِّعِينَ عَلَى بَعْضِ مُسَمَّيَاتِهِ فِي اللُّغَةِ، وَهُوَ كُلُّ وَصْفٍ ظَاهِرٍ مُنْضَبِطٍ دَلَّ الدَّلِيلُ السَّمْعِيُّ عَلَى كَوْنِهِ مُعَرِّفًا لِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ. وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنَ الِاحْتِرَازِ.
وَهُوَ مُنْقَسِمٌ إِلَى مَا لَا يَسْتَلْزِمُ فِي تَعْرِيفِهِ لِلْحُكْمِ حِكْمَةً بَاعِثَةً عَلَيْهِ، كَجَعْلِ زَوَالِ الشَّمْسِ أَمَارَةً مُعَرِّفَةً لِوُجُوبِ الصَّلَاةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ﴾ وَفِي قَوْلِهِ ﵇: " «إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ فَصَلُّوا» "، وَكَجَعْلِ طُلُوعِ هِلَالِ رَمَضَانَ أَمَارَةً عَلَى وُجُوبِ صَوْمِ رَمَضَانَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾، وَقَوْلِهِ ﵇: " «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ» " وَنَحْوِهِ.
وَإِلَى مَا يَسْتَلْزِمُ حِكْمَةً بَاعِثَةً لِلشَّرْعِ عَلَى شَرْعِ الْحُكْمِ الْمُسَبَّبِ كَالشِّدَّةِ الْمُطْرِبَةِ الْمُعَرِّفَةِ لِتَحْرِيمِ شُرْبِ النَّبِيذِ لَا لِتَحْرِيمِ شُرْبِ الْخَمْرِ فِي الْأَصْلِ الْمَقِيسِ عَلَيْهِ، فَإِنَّ تَحْرِيمَ شُرْبِ الْخَمْرِ مَعْرُوفٌ بِالنَّصِّ أَوِ الْإِجْمَاعِ لَا بِالشِّدَّةِ الْمُطْرِبَةِ (١)، وَلِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ مُعَرِّفَةً لَهُ فَهِيَ لَا يُعْرَفُ كَوْنُهَا عِلَّةً بِالِاسْتِنْبَاطِ إِلَّا بَعْدَ مَعْرِفَةِ الْحُكْمِ فِي الْأَصْلِ، وَذَلِكَ دَوْرٌ مُمْتَنِعٌ.
وَعَلَى هَذَا فَالْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ لَيْسَ هُوَ نَفْسَ الْوَصْفِ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ بِالسَّبَبِيَّةِ، بَلْ حَكَمَ الشَّرْعُ عَلَيْهِ بِالسَّبَبِيَّةِ.
وَعَلَى هَذَا فَكُلُّ وَاقِعَةٍ عُرِفَ الْحُكْمُ فِيهَا بِالسَّبَبِ لَا بِدَلِيلٍ آخَرَ مِنَ الْأَدِلَّةِ السَّمْعِيَّةِ، فَلِلَّهِ تَعَالَى فِيهَا حُكْمَانِ: أَحَدُهُمَا الْحُكْمُ الْمُعَرِّفُ بِالسَّبَبِ، وَالْآخَرُ السَّبَبِيَّةُ الْمَحْكُومُ بِهَا عَلَى الْوَصْفِ الْمُعَرِّفِ لِلْحُكْمِ، وَفَائِدَةُ نَصْبِهِ سَبَبًا مُعَرِّفًا لِلْحُكْمِ
(١) لَكِنَّهَا رُوعِيَتْ فِي إِثْبَاتِ الْحُكْمِ فِي الْأَصْلِ بِالنَّصِّ، وَقَدِ اعْتَرَفَ الْمُؤَلِّفُ بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ قَبْلُ فِي قَوْلِهِ: وَإِلَى مَا يَسْتَلْزِمُ حِكْمَةً بَاعِثَةً لِلشَّرْعِ إِلَخْ.
1 / 127