Ihkam Fi Usul Ahkam
الإحكام في أصول الأحكام
Publisher
المكتب الإسلامي
Edition Number
الثانية
Publication Year
1402 AH
Publisher Location
(دمشق - بيروت)
Genres
Jurisprudence
فَإِنْ قِيلَ: الْقَوْلُ بِوُجُوبِ الشَّرْطِ زِيَادَةٌ عَلَى مَا اقْتَضَاهُ الْأَمْرُ بِالْمَشْرُوطِ ; إِذْ لَا دَلَالَةَ عَلَيْهِ، وَالزِّيَادَةُ عَلَى النَّصِّ نَسْخٌ، وَنَسْخُ مَدْلُولِ النَّصِّ لَا يَكُونُ إِلَّا بِنَصٍّ آخَرَ، وَلَا نَصٌّ. ثُمَّ لَوْ كَانَ وَاجِبًا لَكَانَ مَقْدُورًا حَذَرًا مِنَ التَّكْلِيفِ بِمَا لَا يُطَاقُ. وَمَا يَجِبُ غَسْلُهُ مِنَ الرَّأْسِ وَإِمْسَاكُهُ مِنَ اللَّيْلِ غَيْرُ مَقْدُورٍ، وَلَكَانَ مُثَابًا عَلَيْهِ وَمُعَاقَبًا عَلَى تَرْكِهِ. وَالثَّوَابُ وَالْعِقَابُ إِنَّمَا هُوَ عَلَى غَسْلِ الْوَجْهِ وَتَرْكِهِ، وَعَلَى صَوْمِ الْيَوْمِ وَتَرْكِهِ، لَا عَلَى مَسْحِ بَعْضِ الرَّأْسِ وَإِمْسَاكِ شَيْءٍ مِنَ اللَّيْلِ، وَلِهَذَا فَإِنَّهُ لَوْ تُصُوِّرَ الْإِتْيَانُ بِالْمَشْرُوطِ دُونَ شَرْطِهِ كَانَ كَذَلِكَ.
قُلْنَا: جَوَابُ الْأَوَّلِ أَنَّ النَّسْخَ إِنَّمَا يَلْزَمُ أَنْ لَوْ كَانَ مَا قِيلَ بِوُجُوبِهِ رَافِعًا لِمُقْتَضَى النَّصِّ الْوَارِدِ بِالْمَشْرُوطِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنَّ مُقْتَضَاهُ وُجُوبُهُ وَوُجُوبُهُ بَاقٍ بِحَالِهِ. (١) وَجَوَابُ الثَّانِي: أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ كُلَّ وَاجِبٍ لَا يُقَدَّرُ بِقَدْرٍ مَحْدُودٍ، فَالزِّيَادَةُ عَلَى أَقَلِّ مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ الِاسْمُ هَلْ تُوصَفُ بِالْوُجُوبِ لِكَوْنِ نِسْبَةِ الْكُلِّ إِلَى الْوُجُوبِ نِسْبَةً وَاحِدَةً، أَوِ الْوَاجِبُ أَقَلُّ مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ الِاسْمُ وَالزِّيَادَةُ نَدْبٌ. فَمَنْ ذَهَبَ إِلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ قَالَ: كُلُّ مَا يَأْتِي بِهِ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ وَاجِبٌ، وَالْأَصَحُّ إِنَّمَا هُوَ الْقَوْلُ الثَّانِي، وَهُوَ أَنَّ الْوَاجِبَ أَقَلُّ مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ الِاسْمُ ; إِذْ هُوَ مُكْتَفٍ بِهِ مِنْ غَيْرِ لَوْمٍ عَلَى تَرْكِ الزِّيَادَةِ مِنْ غَيْرِ بَدَلٍ، وَهُوَ مُقَدَّرٌ.
وَجَوَابُ الثَّالِثِ بِمَنْعِ مَا ذَكَرُوهُ. (٢) وَجَوَابُ الرَّابِعِ بِأَنَّ الْوُجُوبَ إِنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْعَاجِزِ عَنِ الْإِتْيَانِ بِالْمَشْرُوطِ دُونَ الشَّرْطِ لَا الْقَادِرِ.
(١) الْمَنْعُ بِالنِّسْبَةِ لِلثَّوَابِ صَحِيحٌ، فَإِنَّهُ يُثَابُ عَلَى الْوَاجِبِ وَعَلَى مَا لَا يَتِمُّ إِلَّا بِهِ، وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلْعِقَابِ، فَغَيْرُ صَحِيحٍ، فَإِنَّهُ إِنَّمَا يُعَاقَبُ عَلَى تَرْكِ الْوَاجِبِ الْأَصْلِيِّ، دُونَ الْوَسَائِلِ الَّتِي لَا يَتِمُّ إِلَّا بِهَا.
(٢) وَأَيْضًا مَا وَجَبَ بِهِ الْمَشْرُوطُ مِنَ النَّصِّ ثَبَتَ بِهِ وُجُوبُ مَا لَا يَتِمُّ إِيقَاعُ الْمَشْرُوطِ إِلَّا بِهِ بِطَرِيقِ اللُّزُومِ، فَلَا نَسْخَ ضَرُورَةَ عَدَمِ التَّرْتِيبِ الزَّمَنِيِّ.
1 / 112