Al-Bināya fī Sharḥ al-Hidāya
البناية في شرح الهداية
Editor
أيمن صالح شعبان
Publisher
دار الكتب العلمية - بيروت
Edition Number
الأولى
Publication Year
1420 AH
Publisher Location
لبنان
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[البناية]
أصابته النجاسة وإنما أراد به لا ينجس بمعنى غير ذلك.
وكذلك قوله ﵇: «الأرض لا تنجس» في حديث «وفد ثقيف لما قدم على رسول الله ﷺ فضرب لهم قبة في المسجد فقالوا يا رسول الله نحن قوم أنجاس فقال رسول الله ﷺ إنه ليس على الأرض من أنجاس الناس شيء إنما» رواه الحسن البصري مرسلا.
وروي عبد الرزاق في مصنفه عن الثوري عن يونس عن الحسن قال: «جاء رهط من ثقيف فأقيمت الصلاة، فقيل: يا رسول الله إن هؤلاء مشركون، قال: "إن الأرض لا ينجسها شيء» وليس معناه أن الأرض لا تنجس وإن أصابتها النجاسة، وكيف يكون ذلك وقد «أمر بالمكان الذي بال فيه الأعرابي من المسجد أن يصب عليه ذنوب من ماء» والحديث صحيح.
وروى طاوس أن النبي ﵇ أمر بمكان أن يحض فكان معنى قوله ﵇ أن «الأرض لا تنجس» أنها لا تبقى نجسة في حال عدم كونها النجاسة فيها، فكذلك قوله ﵇ في بئر بضاعة «إن الماء لا ينجس» ليس هو على حال كون النجاسة فيها إنما هو على حال عدم النجاسة فيها، فهذا وجه قوله ﵇ في بئر بضاعة «الماء لا ينجسه شيء» .
وقال أبو نصر المعروف بالأقطع: لا يظن بالنبي ﵇ أنه كان يتوضأ من بئر هذه صفاته مع نزاهته وإيثار الرائحة الطيبة ونهيه عن الامتخاط في الماء، فدل أن ذلك كان في الجاهلية فشك المسلمون في أمرها فبين أنه لا أثر لذلك مع كثرة النزح، وقال الخطابي: قد توهم بعضهم أن هذا كان لهم عادة وتعمدا وهذا لا يظن بذمي ولا وثني فضلا عن مسلم، فلم تزل عادة الناس قديما وحديثا مسلمهم وكافرهم من تنزيه الماء وصونه عن النجاسة فكيف يظن بأهل ذلك الزمان وهو أعلى طبقات أهل الدين، وأفضل جماعة المسلمين والماء ببلادهم أعز، والحاجة إليه أمس أن يكون هذا صنيعهم بالماء وامتهانهم له.
وقد «نهى رسول الله ﷺ عن التغوط في موارد الماء ومشارعه» فكيف من اتخذ عيون الماء ومنابعه رصدا للأنجاس ومطرحا للأقذار، وإنما كان ذلك من أجل أن هذا البئر موضعها في حدود من الأرض، وكانت السيول تلم هذه الأقذار من الطرق والأفنية وتحملها فتلقيها فيها، وكان الماء لكثرته، وغزارته لا يتغير من ذلك، فكان من جوابه ﵇ أن الماء الكثير الذي صفته هذه في الكثرة والمقدار لا تؤثر فيها النجاسة، لأن السؤال إنما وقع عن ذلك والجواب إنما يقع عنه.
1 / 376