وَأَظْهَرُ الْقَوْلَيْنِ: أن البريءَ منهم أُمِرَ بقتلِ الذي عبدَ العجلَ. ذكر المفسرون في قصتهم أنهم لَمَّا كان الرجلُ ينظرُ إلى قريبِه وأخيِه لا يقدرُ أن يتجاسرَ على قتلِه، فأنزلَ اللَّهُ ضبابًا حتى صاروا لا يرى بعضُهم بعضًا، فوضعوا فيهم السيفَ حتى قتلوا منهم نحو سبعين أَلْفًا، فدعا موسى وهارونُ رَبَّهُمَا، فَقَبِلَ اللَّهُ تَوْبَتَهُمْ، ورفعَ القتلَ عن بقيَّتِهم (^١). هذا معنى قوله: ﴿فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾. قد أَوْضَحْنَا معنى: ﴿التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾ في قوله: ﴿فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾ [البقرة: ٣٧] بما أَغْنَى عن إعادتِه هنا.
وقوله جل وعلا: ﴿وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً﴾ [البقرة: آية ٥٥] أي: وَاذْكُرُوا أيضًا حين قلتُم لنبيِّ اللَّهِ موسى: ﴿يَا مُوسَى لَن نُّؤْمِنَ لَكَ﴾ أي: لن نُصَدِّقَكَ فيما ذكرتَ من أن اللَّهَ كَلَّمَكَ به. قال بعضُ العلماءِ (^٢): هم السبعونَ الذين اختارهم موسى، سَمِعُوا اللَّهَ يكلمُ موسى فقالوا: لن نُصَدِّقَكَ في أن هذا كلامُ اللَّهِ حتى نرى اللَّهَ جهرةً. والقاعدةُ باستقراءِ القرآنِ أن لفظَ (الإيمان) إذا عُدِّيَ باللامِ معناه عدمُ التصديقِ (^٣) (^٤) كقولِه: ﴿وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لِّنَا وَلَوْ كُنَّا