والأقرب إلى الصواب ما ذكره الأستاذ محمد (بك) الخضري في محاضراته بالجامعة المصرية من أن نظام الملك قتل بيد أحد الباطنية حين بعث عسكره إلى قلعة الموت، وحصر فيها الحسن بن الصباح، وأخذ عليه الطرق.
وهذا لا ينافي ما نقل من النفرة التي وقعت بين نظام الملك وبين ملكشاه، فإن حسد الخلفاء والسلاطين لوزرائهم معروف، وعلى الأخص في تلك الأيام المظلمة، التي طبعت بطابع الاستبداد وكان الأمر فيها للهوى، والحكم للجبروت!
وقد أكثر الشعراء من رثاء نظام الملك، فمن ذلك قول مقاتل بن عطية البكري:
كان الوزير نظام الملك لؤلؤة
يتيمة صاغها الرحمن من شرف
بدت فلم تعرف الأيام قيمتها
فردها غيرة منه إلى الصدف •••
وكما بنى الفاطميون الجامع الأزهر في أواسط القرن الرابع لتأييد مذهب الشيعة، بنى نظام الملك مدارسه في أواسط القرن الخامس لتأييد مذهب أهل السنة. وهكذا كان المسلمون ينشئون المدارس لتثبيت الملك، كما يفعل الأوروبيون والأمريكيون في هذا الجيل، ولا عيب في ذلك: فالعلم من أمضى الأسلحة في استلال السخائم من الصدور، والسياسة أدهى وأمكر من أن تغفل مثل هذا السلاح!
وكذلك عني نظام الملك بإنشاء المدارس والرباطات، ليغمر العلماء والزهاد بفضله، فيكون له منهم جرائد شفوية تنشر دعوته في الشام والعراق وخراسان، وهكذا فهم روح العصر فاستغل أهله، حتى ليذكرون أنه كان إذا دخل عليه الأئمة الأكابر لا يقوم لهم، ويجلس في مسنده، وكان له شيخ فقير، إذا دخل إليه يقوم له، ويجلسه في مكانه ويجلس بين يديه، وإنه سئل عن ذلك فقال: إن أولئك إذا دخلوا يثنون علي بما ليس في، فيزيدني كلامهم عجبا وتيها، وهذا يذكرني بعيوب نفسي فأرجع عن كثير مما أنا فيه!
وإذا صحت هذه الرواية فإنها تدل على أن علماء ذلك العصر كانوا أضعف من أن يجهروا بالنهي عن المنكر، وإن الخاصة كانوا لا يأبون سماع النصح من الفقراء والمجاذيب، لأن السياسة كانت تقضي إذ ذاك بمجاملة هذا الصنف من الناس.
Unknown page