209

Akhlaq Cinda Ghazali

الأخلاق عند الغزالي

Genres

على أني أرى من الواجب أن أذكر رأي الغزالي في حقوق الأخ المذنب، فإنه فيما أعتقد رأي كله صواب، وهو في الوقت نفسه كثير على عصر كالعصر الذي عاش فيه الغزالي، فلسنا نجهل أن الناس كانوا إذ ذاك قليلي التسامح، وأنهم كانوا مملوئين بالريب والظنون.

يرى الغزالي أن الصداقة لحمة كلحمة النسب. والقريب لا ينبغي أن يهجر بالمعصية. فقد قال تعالى للنبي في عشيرته:

فإن عصوك فقل إني بريء مما تعملون

8

ولم يقل إني بريء منكم، مراعاة لحق القرابة، ولحمة النسب. قال الغزالي: «ومن حيث أن الأخوة عقد ينزل منزلة القرابة، فإذا انعقدت تأكد الحق، ووجب الوفاء بموجب العقد. ومن الوفاء به أن لا يهمل أيام حاجته وفقره. وفقر الدين أشد من فقر المال. وقد أصابته جائحة، وألمت به آفة افتقر بسببها في دينه، فينبغي أن يراقب ويراعى، ولا يهمل، بل ولا يزال يتلطف به ليعان على الخلاص من تلك الواقعة التي ألمت به، فالأخوة عدة للنائبات، وهذا من أشد النوائب».

وقد توقع الغزالي أن يقول قائل: إن مقارف المعصية لا تجوز مؤاخاته ابتداء فتجنب مقاطعته انتهاء، لأن الحكم إذا ثبت بعلة فالقياس أن يزول بزوالها، وعلة عقد الأخوة التعاون في الدين، ولا يستمر ذلك مع مقارفة المعصية. وقد أجاب بأن المعصية إنما منعت في ابتداء المؤاخاة مع الفاسق لأنه لم يتقدم له حق، أما الأخ المذنب فقد ثبتت أخوته، فلا تسقط بالمعصية، كما لا تسقط القرابة، ومتى بقيت فقد بقي ما كان لها من الحقوق.

ويزيد الغزالي: إن مصاحبة الفاسق خير من مجانبته، إذ كانت الصحبة داعية الرجوع إلى الحق، والإقلاع عن الباطل، بخلاف المجافاة، فقد تقوي فيه الإصرار والعناد.

وهذه عظة بالغة، لأولئك الذين كلما رأوا مبطلا فروا منه باسم الدين، وهم يفرون من الواجب لو يعلمون! (17) البغض في الله

يقول الغزالي: «كل من يحب في الله لا بد أن يبغض في الله، فإنك إن أحببت إنسانا لأنه مطيع لله، ومحبوب عند الله، فإن عصاه لا بد أن تبغضه، لأنه عاص لله وممقوت عند الله، ومن أحب لسبب فبالضرورة يبغض لضده، ولكن البغض كما رأيت لا يوجب المجافاة.

العصيان بالاعتقاد

Unknown page