سماع العشاق، تحريكا للشوق، وتهييجا للعشق، وتسلية للنفس. وهذا حلال إن كان المشتاق إليه ممن يباح وصاله، كمن يعشق زوجته، أو سريته، فيصغي إلى غنائها لتضاعف لذته، وكذلك إن غضبت منه جاريته، أو حيل بينه وبينها بسبب من الأسباب، فله أن يحرك بالسماع شوقه، وأن يستثير به رجاء للذة الوصال، فإن باعها أو طلقها حرم عليه ذلك بعد، إذ لا يجوز تحريك الشوق حيث لا يجوز تحقيقه بالوصال واللقاء. (7)
سماع من أحب الله وعشقه واشتاق إلى لقائه، فلا ينظر إلى شيء إلا رآه فيه. وقد أطال الغزالي في هذه النقطة، ثم قرر إن إطلاق العشق على حب غير الله مجاز لا حقيقة، لأن كل محبوب سواه يتصور له نظير، إما في الوجود وإما في الإمكان، وأما جمال الله فلا ثاني له، لا في الإمكان، ولا في الوجود (؟).
آداب السماع
لا يعتد الغزالي بسماع من يطرب للغناء بمجرد الطبع، ولا حظ له في السماع إلا استلذاذ الألحان والنغمات، إذا كان هذا الذوق لا يتطلب لوجود غير الحياة، فلكل حيوان نوع تلذذ بالأصوات الطيبة. ويسخر الغزالي ممن ينزلون المسموع على حسب شهواتهم، ومقتضى أحوالهم، ويرى حالتهم هذه أخس من أن تفرد بالبيان.
ويعتد فقط بمن ينزل ما يسمعه على أحوال نفسه في معاملته لله، أو من عزب عن فهم، ما سوى الله حتى عزب عن نفسه وأحوالها، ومعاملاتها، وكان كالمدهوش الغائص في عين الشهود، الذي يضاهي حاله حال النسوة اللاتي قطعن أيديهن في مشاهدة جمال يوسف عليه السلام (!؟).
وإذا سمع أحد هؤلاء «الموفقين» ذكر عتاب أو خطاب، أو قبول أو رد، أو وصل أو هجر، أو قرب أو بعد، أو تلهف على فائت، أو تعطش إلى منتظر، أو شوق إلى ورد، أو طمع أو يأس، أو وحشة أو أنس أو وفاء بالوعد، أو نقض للعهد، أو خوف من فراق، أو فرح بوصال، أو ذكر ملاحظة الحبيب، ومدافعة الرقيب، إلى غير ذلك مما تشتمل عليه الأشعار، فلا بد أن يوافق بعضها حالا في نفسه، فيوري زناد قلبه.
ولهؤلاء وضع الغزالي الآداب الآتية: (1)
مراعاة الزمان، والمكان، والإخوان: فليس له أن يسمع وقت شغل القلب ولا في شارع مطروق، أو موضع كريه، أو مع قوم من أهل الدنيا يحتاج إلى مراقبتهم، ومراعاتهم. (2)
أن يكون مصغيا إلى ما يقول القائل، حاضر القلب، قليل الالتفات إلى الجوانب، متحرزا عن النظر إلى وجوه المستمعين، وما يظهر عليهم من أحوال الوجد مشتغلا بنفسه ومراعاة قلبه. (3)
أن لا يقوم، ولا يرفع صوته بالبكاء، وهو يقدر على ضبط نفسه. ولكن إن رقص أو تباكى بغير قصد الرياء فهو مباح. (4)
Unknown page