ويبكي من عواقبها الحكيم
قضى التشبه على معظم قومنا بالخضوع لشرائعه القاسية، إذ حسبوا أن في انضمامهم تحت لواء المجد الكاذب كل العظمة.
لم يعلم أولئك المساكين أن الناس يهزءون بهم إذا رأوهم يطلبون العلاء بذراع من الجوخ، ويردة من الحرير، ومتر من الكتان!
فيا أيها الناس! رفقا ببيوتكم، فالدمار يتهددكم. وازنوا بين ظاهركم وباطنكم، لا تظهروا بمظاهر الترف والإسراف إذا كنتم لا تستطيعون أن تحملوا على عاتقكم هذا الحمل الثقيل.
وأنت، يا أخي الذي تضني شبابك الناضر وتذبل غصن حياتك الغض في معترك العمل لتحصل في آخر الشهر دينارين أو ثلاثة، ما ضرك لو أبقيت لغدك بعض ما تحصله؟ فلا تقل، هداك الله: «لا تهتموا بما للغد، فالغد يهتم بشأنه.» وتنفق مالك في سبل لا يرضى بها الشرف، وينفر منها الضمير، بل ادخر ما تستطيع ولو قليلا لساعة يكبل بها الهرم يديك بقيود الضعف وأغلال القصور.
إذا كنت تنفق كل ما تكسبه فثق أنك لا تبلغ ما تتمناه من الثروة ولو ربحت بيومك الألوف المؤلفة.
وأنت، أيتها السيدة الفقيرة التي يحملها غرورها وطيشها على تحدي النساء الموسرات لتقتدي بحركاتهن وسكناتهن، غير ناظرة إلى زوجها المسكين وما يعاني من الأتعاب والشقاء في جمع درهم تنفقه على أمور كانت في غنى عنها لولا تشبهها بمن هي أعمق ثروة، وأعظم قدرا وأعرض جاها. ما ضرك، يا سيدتي، لو كنت زوجة لا تهمها الخزعبلات، ولا تخدعها السفاسف، فتدخر اليوم ما يفرج ضيقها في الغد؟
فلنصغ إلى صوت الواجب، ولنسمع نداء الضمير، ولنكون رجالا، لا بإسرافنا وتبذيرنا، بل في اقتصادنا وادخار القرش الأبيض لليوم الأسود، كما يقولون. فبهذا نكفل لنا ولأسرتنا مستقبلا سعيدا، ولا نخشى جيوش الشدائد متى داهمتنا واحتلت ساحتنا. فالدينار لا يجمع بغير الاقتصاد وخلع ثوب التشبه والإسراف. فلنحذر هذه الأوهام العصرية التي لا ينال منها الإنسان غير الهموم والمهانة، فهي تجر عليه الفقر من حيث لا يدري ولا يظن.
يا سيدي وسيدتي، يقول المثل: «على قدر بساطك مد رجليك»، فما لكما والتطاول إلى ما لا تصل إليه يدكما؟
لا يغرركما ما يقول الناس عن مأدبتكما أو حفلتكما. ولا تنتظرا الإعجاب والثناء حين تظهر صورة مائدتكما. فكل هذا لا يساوي هم ربع ساعة.
Unknown page