المؤلف (1886-1962).
في العجلة السلامة
في حياة كل إنسان دقائق أشبه بما يسمونه المعركة الفاصلة، فإذا أضعناها فكأننا نضع مصيرنا على كف عفريت، أو نرهن حياتنا بكاملها لأمل طائش، ولا نرجو حلول الساعة التي يفك فيها الرهن.
وعندما قال الذين مشوا قبلنا على دروب الحياة: في العجلة الندامة، كان مركوبهم، إما أرجلهم، وإما قوائم حيوان مسخر لخدمتهم. أما نحن أبناء هذا الجيل، فمركوبنا نار وحديد وفولاذ، منها ما يمشي على الأرض، ومنها ما يدع الطير خلفه ولا يلحقه مهما جد وكد؛ ولذلك قالوا هم: في التأني السلامة.
ومع ذلك فقد رأينا في الأقدمين من آمن بفوائد العجلة. أما قالت العوام: الضربة لمن سبق؟ وهذا ما ينطبق اليوم انطباقا كليا على عصرنا، عصر السرعة.
ففي ذلك الزمان كان أكبر عيب أن تأكل واقفا أو ماشيا، أما اليوم فأصبح كل شيء يعمل على الماشي. لقد استراحت المقاعد وتعبت الأرجل. قد تنهار الأعصاب باكرا بسبب هذا الكد، ومع ذلك فهو ضروري للفلاح، وهل يحقق أملا من يسترخي في فراشه ولا ينفض عنه لحافه إلا حين يعتدل ميزان الشمس؟ إن من يحور ويدور، حتى يبدأ عمله، فهيهات أن ينجزه، فكثيرا ما يدعه ولا يفعل شيئا، يؤجل دائما وينتظر ساعة نشاط رائعة، وتلك الساعة لا تأتي.
أما روى التاريخ عن امرئ القيس، أنه قال؛ عندما جاءه خبر قتل أبيه: اليوم خمر وغدا أمر. وماذا فعل الغد لامرئ القيس، وأي غرض قضاه له؟ أليس الموت على الطريق وضياع الملك؟ فلو كان ترك الكأس ونهض، لما اضطر أن يبكي، هو وصاحبه، الذي بكى حين رأى الدرب دونه. ولما قال له هو: لا تبك عينك، إننا نحاول ملكا أو نموت فنعذرا.
لقد فاتك القطار يا امرأ القيس ولم تقيد الأوابد، وما ظفرت إلا بلقب الملك الضليل عن جدارة واستحقاق. إن صديق الكأس لا يفلح.
من تأن نال ما تمنى، لم تعد عملة رائجة في هذا العصر، فالناس في حلبة السبق دائما، لا ينتهون من شوط حتى يبادروا إلى آخر بلا تأجيل ولا تردد. أما قال الشاعر:
إذا كنت ذا رأي فكن فيه مقدما
Unknown page