ونقله في التبصرة ١، فقيل له ٢: (أيكره للسلطان أنْ يأخذ الناس بالتهمة فيخلوا ببعضهم، ويقول له: الأمان عليك، فأخبرني: فيخبره؟.
فقال: إنّي- والله- لأكره ذلك، أنْ يقوله لهم، (ويغرّهم) ٣، وهو وجه الخديعة).
قال "ابن رشد": (وجه الكراهة: أنّه إذا قال له ذلك، فهو من نوع الإكراه على الإخبار، ولعلّه يخبره بالباطل لينجو من عقابه، فإقراره على نفسه من باب الإقرار تحت الوعيد، والتهديد لا يلزمه) ٤ اهـ.
لأنّ هذا الذي كرّهه الإمام مالك- في هذه الرواية- مخالف لما ورد: "أنّه- ﵊ لقى رجلًا، فاتّهمه: أنّه جاسوس، فعاقبه، حتى أقرّ" كما تقدّم عن "القرافي".
ومخالف لما مرّ عنه ٥ في كلام التحفة، حيث قال ناظمها:
(وإنْ يكن مطالبًا من يتهم ... فما لك بالسجن والضرب حكم
وحكموا بصحة الاقرار ... من ذاعر ٦ يحبس للاختبار) ٧
ومخالف لما مرّ عن القرافي، والتبصرة.
لأنّ ماكرّهه الإمام- أي مالك-: هو من باب السياسة، والعمل بها
١ - أنظر ابن فرحون- التبصرة: ٢/ ١١٤، "في أحكام القضاء بالسياسة الشرعية".
٢ - أي: الإمام مالك.
٣ - في "الأصل" (ويغرمهم) وفي "ب" (ولغيرهم) وكلاهما تصحيف، والصواب ما أثبتناه من "ج" كما هو ثابت في "التبصرة لابن فرحون ".
٤ - نقله ابن فرحون في "التبصرة": ٢/ ١١٤.
٥ - أي: عن الإمام مالك.
٦ - "الذاعر" المفزع والمخيف وهو الزاني الفاسق السارق (التُّسولي- البهجة في شرح التحفة: ٢/ ٣٦٣).
٧ - أنظر المصنف في "البهجة في شرح التحفة لابن عاصم": ٢/ ٣٦٣، فصل: "في دعوى السرقة".