أجنحة المكر الثلاثة
أجنحة المكر الثلاثة
Publisher
دار القلم
Edition Number
الثامنة
Publication Year
١٤٢٠ هـ - ٢٠٠٠ م
Publisher Location
دمشق
Genres
ـ[أجنحة المكر الثلاثة وخوافيها: التبشير - الاستِشراق - الاستعمار]ـ
دراسة وتحليل وتوجيه (ودراسة منهجية شاملة للغزو الفكري)
المؤلف: عبد الرحمن بن حسن حَبَنَّكَة الميداني الدمشقي (المتوفى: ١٤٢٥هـ)
الناشر: دار القلم - دمشق
الطبعة: الثامنة، ١٤٢٠ هـ - ٢٠٠٠ م
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
ترجمة المؤلف [ووالده] _________ قال مُعِدّ الكتاب للشاملة: هذه التراجم - كلها - ليست في المطبوع، وإنما أثبتناها هنا للفائدة
الشيخ عبد الرحمن حبنكة الميداني [المؤلف] بقلم: أيمن بن أحمد ذو الغنى وُلدَ فضيلة الشيخ العلاَّمة عبد الرحمن حَبَنَّكَة المَيداني الدِّمشقي سنة ١٣٤٥هـ (١٩٢٧م)، في أحد أعرق أحياء دمشقَ، حيِّ المَيدان، لأُسرة علمٍ ودعوة وجهاد؛ فأبوه العلاَّمةُ المربِّي المجاهد حاملُ لواء الدَّعوة في الشام، الإمامُ حسن حَبَنَّكَة المَيداني، عضوُ المجلس التأسيسيِّ لرابطة العالم الإسلاميِّ، وتَرجعُ أُصولُ أسرة الشيخ إلى عَرَب بني خالد الذين تمتدُّ منازلُهم إلى بادية حَماة من أرض الشام. نشأ فقيدُنا في بيت أبيه الذي كان دارَةَ علمٍ وتوجيه، ومَجْمَعَ فقهٍ وفَتوى، وتَرَعرَعَ في أكناف والده، يَحوطُه بعنايته ورعايته، ويُعدُّه ليكونَ خليفةً له في العلم والدَّعوة. تلقى الشيخُ العلمَ في المدرسة الشَّرعيَّة النَّموذجيَّة التي أسَّسها أبوه الإمامُ وسمَّاها: معهدَ التوجيه الإسلاميِّ، وهي مدرسةٌ داخليَّة مجانيَّة، كان نظامُ التعليم فيها فريدًا مُتميِّزًا، على طريقة علماء المسلمينَ المتقدِّمينَ، والدراسةُ فيها دراسةً موسوعيَّة أصيلة، يتدرَّجُ فيها الطلاَّبُ من مبادئ العلوم إلى أعلى المستَويات. وكان الشيخُ حسن يدرِّب طلاَّبَه - ومنهم ابنُه عبد الرحمن - على إعداد خُطَب ودُروس ومُحاضَرات، وإلقائها، وهم لا يزالون حَديثي الأسنان، مما كان له أعظمُ الأثر في تمكُّنهم من الخَطابة والوعظ والتعليم، وفي تكوين شخصيَّاتهم العلميَّة والدَّعَويَّة. تخرَّجَ المُترجَم في معهد أبيه سنة ١٣٦٧هـ (١٩٤٧م)، وكان أبوه عَهِدَ إليه بالتدريس في معهده وهو ابنُ ١٥ سنة، ثم أسنَدَ إليه بعد تخرُّجه تدريسَ عدد من العلوم، منها: الفقه، والأُصول، والتوحيد، والمنطِق، والبلاغة. وفي سنة ١٣٧٠هـ التحقَ بكُلِّية الشريعة في الأزهر الشَّريف، وحازَ منها الإجازةَ العاليةَ (ليسانس في الشريعة)، ثم حازَ شهادةَ العالِميَّة مع إجازةٍ في التدريس (ماجستير في التَّربية وعلم النفس) . بعد تخرُّجه في الأزهر عملَ مُدرِّسًا في ثانويات دمشقَ الشرعيَّةِ والعامَّةِ، إضافةً إلى التدريس في معهد أبيه ﵀. وتولَّى مُديريَّةَ التعليم الشرعيِّ التابعةَ لوِزارَة الأوقاف، وكان في إدارَته حكيمًا رَشيدًا، يعملُ بهمَّةٍ وصمتٍ، ومن أهمِّ ما أنجزَهُ في إبَّان إدارته: تأسيسُ عددٍ من المدارس الشرعيَّة في بعض المحافظات السوريَّة، منها ثانويةٌ شرعيَّة للإناث بدمشقَ، وأُخرى بحلبَ. في سنة ١٣٨٧هـ (١٩٦٧م) انتقلَ إلى الرياض أستاذًا في جامعة الإمام محمَّد بن سُعود الإسلاميَّة، قضى فيها سنتين، ثم انتقل إلى مكَّةَ المكرَّمَةِ فعمل أستاذًا في جامعة أمِّ القُرى زُهاءَ ثلاثين عامًا، حتى بلغَ السبعين. اختيرَ الشيخُ عبد الرحمن عضوًا في المجلس التأسيسيِّ لرابطة العالم الإسلاميِّ في مكَّةَ المكرَّمَةِ، وعضوًا في مجلس هيئة الإغاثة الإسلاميَّة العالميَّة. وكان له الكثيرُ من المشاركات في المؤتمرات والنَّدوات، منها: مؤتمرُ التعليم الإسلاميِّ، ومؤتمرُ الاقتصاد الإسلاميِّ، اللذان عُقِدا في مكَّةَ المكرَّمَةِ، ومؤتمرُ الأدب الإسلاميِّ الذي عُقِد في (لكهنو) الهند، ومؤتمرُ الدعوة والدُّعاة الذي عُقِدَ في المدينة المنوَّرَة على ساكنها أفضلُ الصلاة وأتمُّ التسليم. وله مشاركاتٌ كثيرةٌ في إلقاء المحاضَرات العامَّة، والأُمسيَّات، والنَّدوات العلميَّة، ضمن الأنشطة الثقافيَّة داخلَ جامعة أمِّ القُرى وخارجَها. وله إسهاماتٌ تلفازيَّة وإذاعيَّة، وقد استمرَّ في تقديم أحاديثَ إذاعيَّةٍ يوميَّة أو أُسبوعيَّة ما يزيدُ على ٣٠ عامًا. كان الشيخُ ﵀ شديدَ الحرص على وقته، فلا يكادُ يُرى إلا قارئًا أو كاتبًا، أو محاضرًا أو مناقشًا، وكان ذا دَأَبٍ وجَلَدٍ على العلم والعمل المتواصل، وكان موسوعيَّ الثقافة، واسعَ الاطِّلاع. تميَّز نتاجُه العلميُّ بالغَزارة مع العُمق والشُّمول، وقد جمعَ في كتاباته بين القديم والحديث، وبين التخصُّص الشرعيِّ الدقيق والعلوم الدنيويَّة العصريَّة. من نتاجه المطبوع: أولًا - سلسلةُ في طريق الإسلام، منها: ١ - العقيدةُ الإسلاميَّة وأُسُسُها. ٢ - الأخلاقُ الإسلاميَّة وأُسُسُها. ٣ - الحضارةُ الإسلاميَّة وأُسُسُها ووَسائلُها. ٤ - الأمَّةُ الربانيَّة الواحدَة. ٥ - فقهُ الدَّعوة إلى الله، وفقهُ النُّصْح والإرشاد. ثانيًا - دراساتٌ قرآنيَّة، منها: ١ - قواعدُ التدبُّر الأمثَل لكتاب الله ﷿. ٢ - مَعارجُ التفكُّر ودقائقُ التدبُّر (وهو تفسير بديع للقرآن الكريم في ١٥ مجلدًا) . ٣ - أمثالُ القرآن وصُوَرٌ من أدبه الرَّفيع. ثالثًا - سلسلةُ أعداء الإسلام، منها: ١ - مَكايدُ يهوديَّةٌ عبرَ التاريخ. ٢ - صراعٌ مع الملاحِدَة حتى العَظْم. ٣ - أجنحَةُ المكر الثلاثةُ وخَوافيها (التبشير، الاستشراق، الاستعمار) . ٤ - الكَيدُ الأحمرُ (دراسة واعية للشيوعيَّة) . ٥ - غَزوٌ في الصَّميم. ٦ - كَواشِفُ زُيوفٍ في المذاهب الفكريَّة المعاصرَة. ٧ - ظاهرةُ النفاق وخَبائثُ المنافقين في التاريخ. رابعًا - سلسلةُ من أدب الدَّعوة الإسلاميَّة، منها: ١ - مبادئُ في الأدب والدَّعوة. ٢ - البلاغةُ العربيَّة (أُسُسُها وعُلومُها وصُوَرٌ من تَطبيقاتها) . ٣ - ديوانُ ترنيمات إسلاميَّة (شعر) . ٤ - ديوانُ آمَنتُ بالله (شعر) . خامسًا - كتبٌ متنوِّعَة: ١ - ضَوابطُ المعرفة وأصولُ الاستدلال والمناظَرة. ٢ - بَصائرُ للمسلم المعاصِر. ٣ - الوالدُ الداعيةُ المربِّي الشيخُ حسن حَبَنَّكَة المَيداني (قصَّة عالم مجاهد حَكيم شُجاع) . ٤ - التحريف المعاصر (ردٌّ على كتاب د. محمد شحرور: الكتاب والقرآن قراءة معاصرة) . ولزوجته الدَّاعية المربِّية عائدة راغب الجرَّاح الأستاذة بجامعة أمِّ القُرى سابقًا - رحمها الله تعالى (توفِّيت قبل الشيخ بزُهاء سنتين) - كتاب: عبدُ الرَّحمن حَبَنَّكَة المَيدانيُّ العالم المفكِّر المفسِّر (زوجي كما عرفته)، صدرَ عن دار القلم بدمشقَ، ضمن سلسلة: علماء ومفكِّرون معاصرون، لمحاتٌ من حياتهم، وتعريفٌ بمؤلَّفاتهم. في ليلة الأربعاء ٢٥ من جُمادى الآخرة ١٤٢٥هـ قضى الله قضاءه الحقَّ بوفاة الشيخ عبد الرحمن حَبَنَّكَة المَيداني، عن ٨٠ سنة، في إثْر مرض خَبيث ألمَّ به. شُيِّعَت جِنازةُ الشيخ عصرَ يوم الأربعاء، وكانت جِنازةً حافلةً مشهودةً، خرجَ فيها آلافُ المشيِّعينَ من العلماء والكُبَراء والعامَّة، تملؤُهم الحسرةُ وتَمُضُّهُم الأحزان، وصُلِّي عليه في جامع الأمير مَنْجَك في حيِّ المَيدان، وأبَّنَهُ عقِبَ الصَّلاة شيخُ قرَّاء الشام فضيلةُ الشَّيخ محمد كريِّم راجح، وألقى ولدُه الدكتور وائل قصيدةً في رثائه، ثم وُوريَ في مثواهُ الأخير من دار الدُّنيا بمقبرة الجُورَة في المَيدان. رحمَ الله الشيخَ رحمةً واسعة، وجَزاهُ عن دَعوته وجهاده خيرَ ما يجزي المحسنينَ، وأخلفَ في الأمَّة أمثاله، وإنا لله وإنا إليه راجعون، ولا حولَ ولا قوَّةَ إلا بالله العَليِّ العظيم.
الشيخ حسن حبنكة الميداني [والد المؤلف] بقلم د: يحيى الغوثاني لقد كان الشيخ حسن حبنكة ذا هيبة كبيرة في قلوب أهل الشام ولا زلنا نذكر ونحن صغار شَبَبة كيف كنا نتطلع إلى رؤية وجهه ومحياه عندما يدخل إلى بعض المحافل أو يحضر إحدى المناسبات.... وإن أنس لا أنس ذلك الحفل المهيب الذي حضر فيه أكابر علماء دمشق ليسلموا شهادات التقدير والتخرج لطلبة معهد الفرقان وذلك عام ١٩٧٦ م وقد امتلأ المكان بأكابر القوم وحشد من أهل العلم وألقى العلماء كلماتهم وكان قمر هذه الحفل الشيخ حسن حبنكة الميداني ﵀ وتشرفنا بتسليم شهاداتنا من يده
١ـ مولده ونسبه: ولد الشيخ حسن حبنكة ﵀ في العام ١٣٢٦ هجرية والموافق لعام ١٩٠٨ ميلادية في دمشق في حيِّ الميدان، المعروف بأصالته العربية، وحبه للدين، ومحافظته على العادات والشيم الرفيعة. ويعود نسب الشيخ إلى عرب بني خالد، وهم قبيلة معروفة من قبائل العرب، ولها منازل في بادية حماة من أرض الشام. نشأ الشيخ في أحضان عائلة تتصف بالاستقامة والصلاح، فوالده الحاج مرزوق عُرف بتدينه ومواظبته على الطاعات، وحب فعل الخير، والبر بوالديه وبخاصة والدته، التي كان لها الخادم البار في سنيِّ كبرها وعجزها، وكان مواظبًا على العبادة في وقت السحر، ويخرج إلى صلاة الفجر مبكرًا فيصلي ويجلس للذكر وتلاوة القرآن، وكان ذا رغبة صادقة في أن يكون ولده (حسن) عالمًا. وأما والدة الشيخ فهي الحاجة خديجة المصري، من قرية الكسوة جنوب دمشق، وهي من النساء الصالحات العفيفات، وقد توفيت أثناء عودتها من رحلة الحج عن طريق البحر، مع ابنها الشيخ حسن.
٢ـ نشأته وطلبه للعلم: نشأ الشيخ منذ طفولته متوقد الذكاء، قوي الحافظة طموحًا، محبًا للعلم والفضيلة والمجد، فتعلم في الكُتاب القراءة والكتابة والقرآن، ثم أرسله أبوه إلى مدرسة في أطراف دمشق، يشرف عليها الشيخ شريف اليعقوبي وكان أهل علم وصلاح، وبعد أن أنهى صفوف المدرسة عنده اتجه إلى أستاذ آخر، كان قد سمع به في حيِّه وهو الشيخ طالب هيكل، وكان له علم بشيء من النحو والصرف والفقه على مذهب الإمام الشافعي، فاستفاد منه في هذه العلوم، ثم تعرف على عالم آخر من المعروفين بالعلم والورع والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهو الشيخ عبد القادر الأشهب، فتلقى عنه أوسع مما تلقى عن شيخه السابق، لكن رغبته في العلم، وطموحه في التحصيل، كانا يدفعانه إلى المزيد من العلم، والجلوس بين يدي العلماء، لاسيما وقد سمع بكبار العلماء في قلب مدينة دمشق، فبدأ الاتصال بهم واحدًا فواحدًا، ليروي نهمه العلمي، وكان والده يشجعه على ذلك، وقد تكفل به وبأسرته، بعد أن زوجه في سن صغيرة في الخامسة عشر من عمره. تابع الشيخ مسيرته العلمية، بكل همة واجتهاد ونشاط، ينهل من مختلف العلوم العربية والشرعية، وحتى بعض العلوم الكونية مثل الطب وعلم النبات، خصوصًا وقد أكرمه الله ﷿ بالتعرف على ثلة من جهابذة العلماء، كان في مقدمتهم الشيخ محمود العطار وهو فقيه حنفي وعالم متمكن، فتتلمذ على يديه سنين طوالًا، كما اتصل بالعلامة التقي الورع والأصولي والفقيه البارع، الشيخ أمين سويد رحمه الله تعالى ولازمه ملازمة طويلة، ثم التقى عالمًا ضليعاَ بعلوم اللغة العربية لاسيما البلاغة والأدب وحسن صياغة النصوص والإنشاء هو الشيخ عبد القادر الاسكندراني ﵀ الذي أفاده في هذه العلوم كثيرًا، كما استفاد من عالم كردي متمكن في العلوم العقلية (المنطق والفلسفة وأصول الفقه) فقرأ عليه عددًا من الكتب في هذه العلوم، كما تتلمذ على الشيخ عطا الكسم مفتي الديار الشامية، فلازمه مدة سمع خلالها مسائل كثيرة من الفقه الحنفي، وأكرمه الله ﵎ بالاتصال بعلامة الشام وشيخ مشايخها الشيخ بدر الدين الحسني الذي أفرد له وقتًا خاصًا، ليقرأ عليه فيه واستمر ذلك حتى وفاة الشيخ بدر الدين رحمه الله تعالى فاستفاد من علمه وروحانيته الشيء الكثير. هؤلاء هم أشهر الأساتذة والمشايخ، الذين تلقى عنهم، واغترف من غزير علومهم ومعارفهم واقتبس من أخلاقهم وصفاتهم، مع ما وهبه الله من عقل ذكي وبديهة حاضرة وحب شديد للمعرفة بحيث أصبح من خيرة العلماء علمًا وعملًا ودعوة.
٣ـ مرحلة الدعوة والتعليم: لم يكن الشيخ محبًا للعلم، والاستزادة منه، ليملأ به عقله وذهنه فحسب، ومن ثم يتغنى بأمجاد العلم ويتعالى به على الناس، بل كان العلم هو وسيلته إلى الدعوة إلى الله ﷿، وإصلاح المجتمع، وتربية العلماء الراسخين، الذين يقودون حركة الإصلاح والنهوض بمجتمعهم، لذلك رأيناه يسلك طريق الدعوة والتعليم، وهو بعد ما يزال صغيرًا طالب علم، فملأ وقته مابين طلب للعلم ومابين التعليم والوعظ والإرشاد، وأصبح له طلاب يقصدونه، ليقرؤا عليه بعض الكتب في مختلف العلوم بعد أن عاينوا تمكنه وحسن أسلوبه وشرحه. ولما قامت النهضة العلمية الدعوية في دمشق، على يد العالم الداعية الشيخ علي الدقر رحمه الله تعالى كان الشيخ حسن أحد أركانها، وقدم لها كل إمكاناته وكان مديرًا لإحدى المدارس التي أنشأها بالتعاون مع الجمعية الغراء جمعية الشيخ علي الدقر، وهي مدرسة (وقاية الأبناء) وشهدت المدرسة في عهد إدارته نجاحًا باهرًا، وتخرج منها طلاب علم غدوا فيما بعد من أكابر علماء الشام، وفي هذه الأثناء لم ينقطع الشيخ حسن عن التعليم والدعوة في جامع منجك مقرِّ دعوته الرئيسي، حيث كان الطلاب يتوافدون عليه صباحًا ومساءً، ويتنقلون من علم إلى علم وفق منهج جادٍ صارمٍ، لتبنى شخصياتهم العلمية بناءً قويًا راسخًا، وكانت فكرة إنشاء معهد شرعي له نظامه المتكامل، وصفوف متدرجة، فكرة قد شغلت ذهن الشيخ وصمم على تنفيذها مستعينًا بالله ومتوكلًا عليه، وتم له ما أراد حين قام (معهد التوجيه الإسلامي) بإشراف الشيخ حسن وبمعونة طلابه المتقدمين، الذين تعب على تدريسهم وتعليمهم، ليكونوا من خيرة الأساتذة بل والعلماء ولقد تخرج من هذا المعهد، العدد الكبير من طلاب العلم، من سوريا ولبنان والأردن وتركيا وبعض البلاد الإفريقية، والذين أصبح الكثير منهم علماء البلاد ومراجع الناس في العلم والفتوى. ولم يعتن الشيخ كثيرًا بالتأليف، لأنه كان منصرفًا إلى تربية الرجال المؤمنين الصادقين وتخريج العلماء المتمكنين، وطلابه اليوم والحمد لله هم في مقدمة علماء سوريا، أمثال أخيه العالم الفقيه واللغوي الأديب، والخطيب الحكيم، الشيخ صادق حبنكة حفظه الله وبارك في حياته، والشيخ حسين خطاب رحمه الله تعالى شيخ قراء الشام العالم العامل، والداعية المؤثر، وخلفه الشيخ محمد كريم راجح شيخ قراء الشام حاليًا الخطيب المفوه، والأديب الشاعر والفقيه الحاذق، والشيخ الدكتور مصطفى الخن الفقيه الأصولي، الأديب والمدرس في كليات الشريعة في دمشق وفي المملكة العربية السعودية، والشيخ الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي العالم المفكر الفقيه الأصولي والداعية المشهور، ونجل الشيخ الأكبر الشيخ عبد الرحمن حبنكة رحمه الله تعالى العالم المطلع، والمصنف المكثر الأستاذ في كلية الشريعة في جامعة أم القرى في مكة المكرمة.
٤ـ أسلوبه في التعليم: كان الشيخ حريصًا على أن يُخرِّج علماء، يتقنون ما تعلموه ليستطيعوا بذله للناس بكل ثقة وأمانة فكان مع الطلاب المبتدئين، كثير الشرح والبيان لمسائل العلم الذي يتلقونه، يعطيهم مفاتيح العلوم ويحثهم على الرجوع إلى الكتب لفهم عباراتها، وحفظ مسائلها، وأما الطلاب المتقدمون، فكان يدربهم على استخراج المسائل من مظانها، وتحليل القضايا إلى عناصرها، تحليلًا عقليًا منطقيًا ويمرنهم على المناظرة والمحاورة، لتكون لكل منهم شخصيته العلمية المستقلة، التي تعتمد على قدراتها وتثق بإمكاناتها.
٥ـ مشاركاته العلمية: كانت للشيخ مكانته العلمية والدينية المتميزة، ولذلك لما تأسست جمعية لعلماء سوريا باسم (رابطة العلماء) كان الشيخ أحد أعضائها البارزين، فكان الشيخ أبو الخير الميداني رئيسًا لها والشيخ حسن حبنكة أمينًا عامًا لها، وقد قامت هذه الرابطة بدور توجيهي بالغ الأثر في الحياة العامة للبلاد. وشارك الشيخ أيضًا في رابطة العالم الإسلامي، واختير عضوًا فيها عن سوريا خلفًا للشيخ مكي الكتاني رحمه الله تعالى، وكان يحضر اجتماعاتها السنوية في مكة المكرمة مشاركًا بعلمه ورأيه.
٦ـ اهتمامه بالمجتمع والأعمال الخيرية: إن مثل الشيخ حسن حبنكة رحمه الله تعالى، في وراثته لهدي النبوة التي كانت رحمة للناس في كافة مجالات حياتهم، لايمكن أن يكون بمعزل عن حياة الناس، وعن المشاركة في حلِّ أزماتهم وتخفيف معاناتهم، ورفع شأنهم في كل أمر، لذلك وجَّه الشيخ عنايته إلى أفراد حيِّه أولًا يبحث عن الفقراء والمحتاجين والمرضى والأيتام، ليحوطهم بكل ما يستطيع تقديمه لهم، وذلك بمعونة أهل الخير والإحسان، وراح يوجه إلى قيام وإنشاء الجمعيات الخيرية، التي تتولى جمع التبرعات من زكوات وصدقات، لتوزع على المستحقين بكل أمانة ودقة، وكانت فاتحة هذه الجمعيات (جمعية أسرة العمل الخيري) ثم توسع هذا العمل المبرور، إلى باقي أحياء وحارات الميدان ومدينة دمشق، كما كان الشيخ أيضًا ملاذ الناس في معضلات أمورهم، ومشاكلهم يهرعون إليه للنظر فيها والمساعدة على حلها، فكان بيت الشيخ دارًا للقضاء والشورى وفضِّ المنازعات.
٧ـ مواقفه الإسلامية الشجاعة: إن من أعظم ما يتميز به الشيخ حسن رحمه الله تعالى جرأته في الحق، وشجاعته في مواجهة الباطل، وهي صفة رافقته منذ يفاعته وشبابه المبكر، فحينما اندلعت الثورة السورية على المستعمر الفرنسي عام ١٩٢٥م وكان الشيخ يطلب العلم، وهو في مقتبل العمر في السابعة عشر من عمره، هبَّ ليشارك الثوار المجاهدين، وانضوى تحت لواء واحد من مشاهيرهم، وهو الشيخ محمد الأشمر رحمه الله تعالى وشارك في قتال المغتصبين المحتلين. ولما أرادت فرنسا فرض (قانون الطوائف)، محاولة بذلك تغيير العديد من قوانين الأحوال الشخصية المستمدة من الشريعة الإسلامية، قام الشيخ خطيبًا ينبه العقول، ويفضح الألاعيب ويُلهب المشاعر، وكان لموقفه هذا أثره البالغ في إبطال العمل بذلك القانون المنحرف. وهكذا كان الشيخ ﵀ في كل مرة وفي أي عهد من العهود، لسان الحق الجريء المقدام الذي ينافح عن عقيدة الأمة وتشريعها وتاريخها، مرتكزًا في ذلك على علم راسخ، ووعي يدرك أبعاد القضايا، وحكمة تزن الأمور بميزان دقيق حساس، وقلب عميق الصلة بالله والتوكل عليه واحتساب الأجر والثواب عنده وحده، ولقد لقي الشيخ في سبيل ذلك من المكاره والأذى الشيء الكثير، ولكنه وبفضل الله ومعونته خرج ظافرًا منتصرًا.
٨ - صفاته الشخصية ومشاركاته الأدبية ومختارات من شعره: لقد أوتي الشيخ ﵀ من الصفات الذاتية والمحامد الخلقية نصيبًا موفورًا، فكان حاد الذكاء حاضر البديهة، وكان عميق التفكير، صادق الفراسة، وكان فصيح اللسان واسع الشرح والبيان وخطيبًا جماهيريًا يملك قلوب وأفكار مستمعيه، وكان محدثًا بارعًا يأسر مَن يحدثه بحسن بيانه وجواهر لفظه، وكان ﵀ عظيم الصبر على الناس كثير التسامح حريصًا على تأليف القلوب، وكان كثير الاهتمام بعيادة المرضى والدعاء لهم بالشفاء، وكان حكيمًا في فضِّ المنازعات وإطفاء نيران الفتنة بين الناس، وكان ﵀ عفيفًا يعلم طلابه ويدربهم على العفة والترفع عن الدنايا والصغائر، وكان متواضعًا وخصوصًا لرجل صالح أو عالم فاضل أو شيخ كبير السن أو امرأة عجوز، وهو في ذات الوقت كان عزيزًا لم يُهن نفسه لغني من أجل غناه، ولا لذي وجاهة في قومه من أجل وجاهته، ولم يمالئ ذا سلطان وهو في سلطانه، وكان الشيخ ذا حس ونفس أدبي واضح، وربما نظم شعرًا وجدانيًا دينيًا، لكنه فيه مقلٌّ إذ لم يُفرِّغ نفسه له وفي مناسبة من مناسبات الحج فاضت مشاعره ببعض أبيات ومما قاله فيها: صفق القلب للحجاز وثارا.... شفه الشوق للحبيب فطارا واقتفت إثره الجسومُ غرامًا.... فجرى الركب في الرمال وسارا يا ديار الحبيب يا أنس قلبي.... عدل الدهر في الهوى أو جارا يا بقاع الأنوار من فيض ربي.... حدثيني عن الرسول جهارا
٩ - صفاته التربوية: كان ﵀ مربيًا شديد الملاحظة والمتابعة، لا تكاد تفوته كبيرة ولا صغيرة من حركات مَن هم في دائرة تربيته وتوجيهه، وكان من أساليبه التربوية إلجاء مَن يشرف على تربيتهم إلى ممارسة الأمور التي يحرص أن يربيهم عليها، من أعمال وأقوال وتعليم وتوجيه. وكان أخشى ما يخشاه أن يُصاب من هو في دائرة تربيته بالغرور بنفسه فيستكبر أو يقنع بما وصل إليه فلا يتابع مسيرته متناميًا متكاملًا. وكان من أساليبه التربوية أيضًا تصيد أيِّ حدث يمكن الاستفادة منه لتربية العقائد والمفاهيم الإسلامية وتثبيتها وتعميقها.
١٠ - وفاته: أصيب الشيخ بجلطة قلبية، نتيجة الإجهاد والتعب المتواصل، وما يحمل من هموم الأمة وآلامها ولكنها مرت بسلام، إلا أن همة الشيخ وصحته لم تعد كما كانت من قبل، وفي فجر الاثنين في ١٤ذي القعدة /١٣٩٨ هجرية الموافق ١٦/١٠/١٩٧٨م التحق الشيخ بالرفيق الأعلى عن عمر ناهز السبعين عامًا، وكان قد أزمع السفر إلى مكة المكرمة، لحضور مؤتمر من مؤتمرات رابطة العالم الإسلامي، ثم الحج إلى بيت الله الحرام، وما إن أشيع النبأ حتى عم الحزن والأسى بلاد الشام قاطبة، وتقاطرت الوفود من كل الجهات لتشييع جنازته، التي كانت جنازة ضخمة مشى فيها مئات الآلاف من محبي الشيخ وطلابه وعارفيه، وصُلي عليه في الجامع الأموي الكبير في قلب دمشق، ثم دُفن في حيِّه حيِّ الميدان بجوار المسجد الجامع الذي سعى في إنشائه وإعماره والذي سُمي فيما بعد جامع الحسن.تغمد الله الشيخ حسنًا بواسع رحمته، ورفع مقامه في عليين، وجزاه عن جهاده ودعوته وتعليمه أفضل ما يُجازى العاملون، وجمعنا به مع أشياخنا وأحبابنا في مستقر رحمته، تحت لواء الحبيب المصطفى ﷺ.
الشيخ عبد الرحمن حبنكة الميداني [المؤلف] بقلم د: يحيى الغوثاني مولده وتعليمه: ولد الشيخ عبد الرحمن حسن حبنكة في دمشق بحي الميدان سنة ١٩٢٧م / ١٣٤٥ هـ، ونشأ في بيت علم ودعوة تحيط به ظروف قلَّما تيسَّرت لغيره، فهو سليل إحدى العائلات الدمشقيّة العريقة التي عُرِفت بالعلم، وهو والعلم والدعوة - بدءًا من نشأته الأولى منذ ما يزيد عن ستين عامًا - توءمان لا يفترقان، وكان لوالده الشيخ حسن حبنكة فضل تربيته وتأديبه وتعليمه. درس الشيخ عبد الرحمن في "معهد التوجيه الإسلامي"، الذي أنشأه والده ﵀، وتخرج فيه عدد من علماء دمشق المعروفين.. كالشيخ الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي، والشيخ الدكتور مصطفى سعيد الخنّ، والشيخ حسين خطَّاب ﵀، والدكتور مصطفى البغا، وغيرهم. ثم درس الشيخ في الأزهر الشريف، وعمل بعد تخرجه في مديرية التعليم الشرعي التابعة لوزارة الأوقاف السورية، ثم عضوًا لهيئة البحوث في وزارة التربية والتعليم في سوريا، ثم انتقل إلى السعودية بعد عام ١٩٦٧م ليعمل أستاذًا في جامعة الإمام محمد بن سعود في الرياض، ثم أستاذًا في جامعة أم القرى في مكة قرابة ثلاثين عامًا.
من مؤلفاته: قدّم الشيخ عبد الرحمن حبنكة كتبا قيمة زادت على الثلاثين كتابا أثرى بها المكتبة الإسلامية والفكر الإسلامي؛ حيث تعدَّدت إسهاماته وتنوعت في مجالات متعددة: في العقيدة، والدعوة، والأدب، والأخلاق، والدراسات القرآنية، وسلسلة أعداء الإسلام: "اليهود - الشيوعية - التيارات المعاصرة - الغزو الفكري"، وغيرها، ونذكر من كتبه ما يلي: - العقيدة الإسلاميَّة وأسسها. - الأخلاق الإسلاميَّة وأسسها. - قواعد التدبُّر الأمثل لكتاب الله. - أمثال القرآن وصور من أدبه الرفيع. - مكايد يهوديَّة عبر التاريخ. - صراع مع الملاحدة حتى العظم. - أجنحة المكر الثلاثة. - ديوان "ترنيمات إسلاميَّة"، شعر. - ديوان "آمنت بالله"، شعر. - ديوان "أقباس" في منهج الدعوة وتوجيه الدعاة. - ضوابط المعرفة وأصول الاستدلال والمناظرة. - مبادئ في الأدب والدعوة. - معارج التفكر ودقائق التدبر. - نوح ﵇ وقومه في القرآن. - تدبر سورة الفرقان. - روائع من أقوال الرسول. - الصيام ورمضان في السنة والقرآن. - براهين وأدلة إيمانية. - ابتلاء الإرادة بالإيمان والإسلام والعبادة. - غزو في الصميم. - الكيد الأحمر. - ظاهرة النفاق وخبائث المنافقين. - كواشف زيوف في المذاهب الفكرية المعاصرة. - بصائر للمسلم المعاصر. - التحريف المعاصر في الدين. - الحضارة الإسلامية. - توحيد الربوبية وتوحيد الإلهية. - فقه الدعوة إلى الله تعالى. - البلاغة العربية أسسها وعلومها وفنونها وصور من تطبيقاتها. - صفات عباد الرحمن في القرآن. - - قدّم لكتاب: منهج التربية النبوية للطفل مع نماذج تطبيقية من حياة السلف الصالح.
من آرائه ومواقفه التاريخية: ومن آرائه البارزة في طبيعة اليهود ما ذكره في كتابه: "مكايد يهودية عبر التاريخ"، الذي كشف فيه حقيقة الكيان الصهيوني والعقيدة الصهيونية؛ حيث بين أنها قائمة على الظلم والعدوان منذ عهد الرسول ﷺ وحتى يومنا هذا. وقال: إن الدارس عبر التاريخ لليهود بوصفهم شعبًا له صفاته وخصائصه المميزة يجده شعبًا شريرًا، خائنًا، ملتويًا، خبيث الطوية، ماجن السلوك، عنصريًا، مغرورًا، جشعًا، يستغل الآخرين، يثير الفتن، ويبيت المؤامرات ضد الأمم والشعوب الأخرى. انظر: ص١٣- ٢٠. ومن آرائه المشهورة أنه ذكر أربع نقاط يمكن للإنسان أن يقيس نفسه بها ويعرف ما إذا كان قوي الإرادة أم ضعيفها وهى: ١- سرعة مبادرته للخيرات والطاعات. ٢- التفاؤل بالخير دائما. ٣- تلقي الأحداث بصبر ورضي. ٤- ملك النفس عند الغضب. وقال: إن الإنسان إذا أراد أن يقوي إرادته الفعلية فعليه بما يلي: ١- تقوية إيمانه بالله تعالى وبصفاته الحسنى وبقضائه وقدره. ٢- التدريب العملي من خلال مجاهدة النفس. ٣- ممارسات العبادات. ومن مواقفه التاريخية في مضمار التصدي لما يسمى بالغزو الفكري أنه في أحد صباحات نيسان ١٩٦٧م تسلل أحد الغزاة الفكريين إلى إحدى المطبوعات الدورية الحكومية في سوريا، ودس مقالا تخريبيا للفكر الإسلامي، فما كان منه ﵀ إلا أن تصدى له في منبر جامع الميدان ملهبا مشاعر الجماهير المسلمة التي اندفعت إلى الشوارع في مظاهرات صاخبة، وأغلقت المحال؛ حيث كان الظرف السياسي في تلك الآونة شديد التأزم والخطورة، فتحركت الدولة بسرعة لامتصاص الأزمة، وفعلا وقع على من له علاقة بما نشر في المجلة أحكام مشددة. رحم الله الشيخ عبد الرحمن حبنكة، فسجله الحافل بالتصدي للغزو الفكري وأكثر من ثلاثين عاما قدم فيها في المملكة العربية السعودية خلاصة فكره المنير لهي إضاءات أنارت قلوب وعقول شباب الأمة المسلمة.
الشيخ عبد الرحمن حبنكة الميداني [المؤلف] بقلم: وصفي عاشور أبو زيد، باحث مصري في العلوم الشرعية عبد الرحمن حبنكة (١٣٤٥ - ١٤٢٥ هـ) توفي في العاصمة السورية دمشق ساعة مبكرة من صباح يوم الأربعاء / ٨ / ٢٠٠٤ م، عن عمر مديد مبارك يناهز السابعة والسبعين عاما.. من قدر الله الذي جرى على أمتنا الإسلامية في التسع سنوات الأخيرة أن رزئت بموت كوكبة من أكابر علمائها، على رأسهم: المفكر الداعية الشيخ محمد الغزالي، والإمام الأكبر الشيخ جاد الحق، والكاتب الإسلامي خالد محمد خالد، والمفسر الملهم الشيخ الشعراوي، والفقيه المحقق مصطفى الزرقا، والمحدث المدقق ناصر الدين الألباني، والخطيب المؤيَّد عبد الحميد كشك، والأديب الفقيه علي الطنطاوي، واللغوي الحُجة محمود محمد شاكر، والمصلح الألمعي أبو الحسن الندوي، والعالم الزاهد عبد العزيز بن باز، وراهب العلم الأستاذ محمد عبد الحليم أبو شقة، والفقيه الداعية الشيخ السيد سابق، والعالم المربي محمد الصالح العثيمين، والفقيه الأصولي الدكتور محمد بلتاجي حسن، وغيرهم وغيرهم، فلم يمض القرن العشرون إلا ومعه جل علمائه ودعاته ومصلحيه. واليوم يودعنا أحد هؤلاء المفكرين الأعلام الذين كرسوا حياتهم للدعوة إلى الله وتربية الأجيال، وتأليف الكتب، ومقارعة المتغربين والمستشرقين، والحفاظ على مبادئ الإسلام ومثله العليا ومقاصده الكبرى، والتصدي للغزو الفكري حتى لقَّبه أحد زملائه بـ "أبو الغزو الفكري والثقافة الإسلاميَّة". إنه العالم المفكر الداعية الشيخ الدكتور عبد الرحمن حسن حبنكة الميداني مولده وتعليمه: ولد الشيخ عبد الرحمن حسن حبنكة في دمشق بحي الميدان سنة ١٩٢٧م / ١٣٤٥ هـ، ونشأ في بيت علم ودعوة تحيط به ظروف قلَّما تيسَّرت لغيره، فهو سليل إحدى العائلات الدمشقيّة العريقة التي عُرِفت بالعلم، وهو والعلم والدعوة - بدءًا من نشأته الأولى منذ ما يزيد عن ستين عامًا - توءمان لا يفترقان، وكان لوالده الشيخ حسن حبنكة فضل تربيته وتأديبه وتعليمه. درس الشيخ عبد الرحمن في "معهد التوجيه الإسلامي"، الذي أنشأه والده ﵀، وتخرج فيه عدد من علماء دمشق المعروفين.. كالشيخ الداعية الفقيه الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي، والشيخ الدكتور مصطفى سعيد الخنّ، والشيخ حسين خطَّاب ﵀، والدكتور مصطفى البغا، وغيرهم. ثم درس الشيخ في الأزهر الشريف، وعمل بعد تخرجه في مديرية التعليم الشرعي التابعة لوزارة الأوقاف السورية، ثم عضوًا لهيئة البحوث في وزارة التربية والتعليم في سوريا، ثم انتقل إلى السعودية بعد عام ١٩٦٧م ليعمل أستاذًا في جامعة الإمام محمد بن سعود في الرياض، ثم أستاذًا في جامعة أم القرى في مكة قرابة ثلاثين عامًا. من مؤلفاته: قدّم الشيخ عبد الرحمن حبنكة كتبا قيمة زادت على الثلاثين كتابا أثرى بها المكتبة الإسلامية والفكر الإسلامي؛ حيث تعدَّدت إسهاماته وتنوعت في مجالات متعددة: في العقيدة، والدعوة، والأدب، والأخلاق، والدراسات القرآنية، وسلسلة أعداء الإسلام: "اليهود - الشيوعية - التيارات المعاصرة - الغزو الفكري"، وغيرها، ونذكر من كتبه ما يلي: - العقيدة الإسلاميَّة وأسسها. - الأخلاق الإسلاميَّة وأسسها. - قواعد التدبُّر الأمثل لكتاب الله. - أمثال القرآن وصور من أدبه الرفيع. - مكايد يهوديَّة عبر التاريخ. - صراع مع الملاحدة حتى العظم. - أجنحة المكر الثلاثة. - ديوان "ترنيمات إسلاميَّة"، شعر. - ديوان "آمنت بالله"، شعر. - ديوان "أقباس" في منهج الدعوة وتوجيه الدعاة. - ضوابط المعرفة وأصول الاستدلال والمناظرة. - مبادئ في الأدب والدعوة. - معارج التفكر ودقائق التدبر. - نوح ﵇ وقومه في القرآن. - تدبر سورة الفرقان. - روائع من أقوال الرسول. - الصيام ورمضان في السنة والقرآن. - براهين وأدلة إيمانية. - ابتلاء الإرادة بالإيمان والإسلام والعبادة. - غزو في الصميم. - الكيد الأحمر. - ظاهرة النفاق وخبائث المنافقين. - كواشف زيوف في المذاهب الفكرية المعاصرة. - بصائر للمسلم المعاصر. - التحريف المعاصر في الدين. - الحضارة الإسلامية. - توحيد الربوبية وتوحيد الإلهية. - فقه الدعوة إلى الله تعالى. - البلاغة العربية أسسها وعلومها وفنونها وصور من تطبيقاتها. - صفات عباد الرحمن في القرآن. - منهج التربية النبوية للطفل مع نماذج تطبيقية من حياة السلف الصالح. من آرائه ومواقفه التاريخية: ومن آرائه البارزة في طبيعة اليهود ما ذكره في كتابه: "مكايد يهودية عبر التاريخ"، الذي كشف فيه حقيقة الكيان الصهيوني والعقيدة الصهيونية؛ حيث بين أنها قائمة على الظلم والعدوان منذ عهد الرسول ﷺ وحتى يومنا هذا. وقال: إن الدارس عبر التاريخ لليهود بوصفهم شعبًا له صفاته وخصائصه المميزة يجده شعبًا شريرًا، خائنًا، ملتويًا، خبيث الطوية، ماجن السلوك، عنصريًا، مغرورًا، جشعًا، يستغل الآخرين، يثير الفتن، ويبيت المؤامرات ضد الأمم والشعوب الأخرى. انظر: ص١٣- ٢٠. ومن آرائه المشهورة أنه ذكر أربع نقاط يمكن للإنسان أن يقيس نفسه بها ويعرف ما إذا كان قوي الإرادة أم ضعيفها وهى: ١- سرعة مبادرته للخيرات والطاعات. ٢- التفاؤل بالخير دائما. ٣- تلقي الأحداث بصبر ورضي. ٤- ملك النفس عند الغضب. وقل: إن الإنسان إذا أراد أن يقوي إرادته الفعلية فعليه بما يلي: ١- تقوية إيمانه بالله تعالى وبصفاته الحسنى وبقضائه وقدره. ٢- التدريب العملي من خلال مجاهدة النفس. ٣- ممارسات العبادات. ومن مواقفه التاريخية في مضمار التصدي لما يسمى بالغزو الفكري أنه في أحد صباحات نيسان ١٩٦٧م تسلل أحد الغزاة الفكريين إلى إحدى المطبوعات الدورية الحكومية في سوريا، ودس مقالا تخريبيا للفكر الإسلامي، فما كان منه ﵀ إلا أن تصدى له في منبر جامع الميدان ملهبا مشاعر الجماهير المسلمة التي اندفعت إلى الشوارع في مظاهرات صاخبة، وأغلقت المحال؛ حيث كان الظرف السياسي في تلك الآونة شديد التأزم والخطورة، فتحركت الدولة بسرعة لامتصاص الأزمة، وفعلا وقع على من له علاقة بما نشر في المجلة أحكام مشددة. رحم الله الشيخ عبد الرحمن حبنكة، فسجله الحافل بالتصدي للغزو الفكري وأكثر من ثلاثين عاما قدم فيها في المملكة السعودية خلاصة فكره المنير لهي إضاءات أنارت قلوب وعقول شباب الأمة المسلمة.
ترجمة المؤلف [ووالده] _________ قال مُعِدّ الكتاب للشاملة: هذه التراجم - كلها - ليست في المطبوع، وإنما أثبتناها هنا للفائدة
الشيخ عبد الرحمن حبنكة الميداني [المؤلف] بقلم: أيمن بن أحمد ذو الغنى وُلدَ فضيلة الشيخ العلاَّمة عبد الرحمن حَبَنَّكَة المَيداني الدِّمشقي سنة ١٣٤٥هـ (١٩٢٧م)، في أحد أعرق أحياء دمشقَ، حيِّ المَيدان، لأُسرة علمٍ ودعوة وجهاد؛ فأبوه العلاَّمةُ المربِّي المجاهد حاملُ لواء الدَّعوة في الشام، الإمامُ حسن حَبَنَّكَة المَيداني، عضوُ المجلس التأسيسيِّ لرابطة العالم الإسلاميِّ، وتَرجعُ أُصولُ أسرة الشيخ إلى عَرَب بني خالد الذين تمتدُّ منازلُهم إلى بادية حَماة من أرض الشام. نشأ فقيدُنا في بيت أبيه الذي كان دارَةَ علمٍ وتوجيه، ومَجْمَعَ فقهٍ وفَتوى، وتَرَعرَعَ في أكناف والده، يَحوطُه بعنايته ورعايته، ويُعدُّه ليكونَ خليفةً له في العلم والدَّعوة. تلقى الشيخُ العلمَ في المدرسة الشَّرعيَّة النَّموذجيَّة التي أسَّسها أبوه الإمامُ وسمَّاها: معهدَ التوجيه الإسلاميِّ، وهي مدرسةٌ داخليَّة مجانيَّة، كان نظامُ التعليم فيها فريدًا مُتميِّزًا، على طريقة علماء المسلمينَ المتقدِّمينَ، والدراسةُ فيها دراسةً موسوعيَّة أصيلة، يتدرَّجُ فيها الطلاَّبُ من مبادئ العلوم إلى أعلى المستَويات. وكان الشيخُ حسن يدرِّب طلاَّبَه - ومنهم ابنُه عبد الرحمن - على إعداد خُطَب ودُروس ومُحاضَرات، وإلقائها، وهم لا يزالون حَديثي الأسنان، مما كان له أعظمُ الأثر في تمكُّنهم من الخَطابة والوعظ والتعليم، وفي تكوين شخصيَّاتهم العلميَّة والدَّعَويَّة. تخرَّجَ المُترجَم في معهد أبيه سنة ١٣٦٧هـ (١٩٤٧م)، وكان أبوه عَهِدَ إليه بالتدريس في معهده وهو ابنُ ١٥ سنة، ثم أسنَدَ إليه بعد تخرُّجه تدريسَ عدد من العلوم، منها: الفقه، والأُصول، والتوحيد، والمنطِق، والبلاغة. وفي سنة ١٣٧٠هـ التحقَ بكُلِّية الشريعة في الأزهر الشَّريف، وحازَ منها الإجازةَ العاليةَ (ليسانس في الشريعة)، ثم حازَ شهادةَ العالِميَّة مع إجازةٍ في التدريس (ماجستير في التَّربية وعلم النفس) . بعد تخرُّجه في الأزهر عملَ مُدرِّسًا في ثانويات دمشقَ الشرعيَّةِ والعامَّةِ، إضافةً إلى التدريس في معهد أبيه ﵀. وتولَّى مُديريَّةَ التعليم الشرعيِّ التابعةَ لوِزارَة الأوقاف، وكان في إدارَته حكيمًا رَشيدًا، يعملُ بهمَّةٍ وصمتٍ، ومن أهمِّ ما أنجزَهُ في إبَّان إدارته: تأسيسُ عددٍ من المدارس الشرعيَّة في بعض المحافظات السوريَّة، منها ثانويةٌ شرعيَّة للإناث بدمشقَ، وأُخرى بحلبَ. في سنة ١٣٨٧هـ (١٩٦٧م) انتقلَ إلى الرياض أستاذًا في جامعة الإمام محمَّد بن سُعود الإسلاميَّة، قضى فيها سنتين، ثم انتقل إلى مكَّةَ المكرَّمَةِ فعمل أستاذًا في جامعة أمِّ القُرى زُهاءَ ثلاثين عامًا، حتى بلغَ السبعين. اختيرَ الشيخُ عبد الرحمن عضوًا في المجلس التأسيسيِّ لرابطة العالم الإسلاميِّ في مكَّةَ المكرَّمَةِ، وعضوًا في مجلس هيئة الإغاثة الإسلاميَّة العالميَّة. وكان له الكثيرُ من المشاركات في المؤتمرات والنَّدوات، منها: مؤتمرُ التعليم الإسلاميِّ، ومؤتمرُ الاقتصاد الإسلاميِّ، اللذان عُقِدا في مكَّةَ المكرَّمَةِ، ومؤتمرُ الأدب الإسلاميِّ الذي عُقِد في (لكهنو) الهند، ومؤتمرُ الدعوة والدُّعاة الذي عُقِدَ في المدينة المنوَّرَة على ساكنها أفضلُ الصلاة وأتمُّ التسليم. وله مشاركاتٌ كثيرةٌ في إلقاء المحاضَرات العامَّة، والأُمسيَّات، والنَّدوات العلميَّة، ضمن الأنشطة الثقافيَّة داخلَ جامعة أمِّ القُرى وخارجَها. وله إسهاماتٌ تلفازيَّة وإذاعيَّة، وقد استمرَّ في تقديم أحاديثَ إذاعيَّةٍ يوميَّة أو أُسبوعيَّة ما يزيدُ على ٣٠ عامًا. كان الشيخُ ﵀ شديدَ الحرص على وقته، فلا يكادُ يُرى إلا قارئًا أو كاتبًا، أو محاضرًا أو مناقشًا، وكان ذا دَأَبٍ وجَلَدٍ على العلم والعمل المتواصل، وكان موسوعيَّ الثقافة، واسعَ الاطِّلاع. تميَّز نتاجُه العلميُّ بالغَزارة مع العُمق والشُّمول، وقد جمعَ في كتاباته بين القديم والحديث، وبين التخصُّص الشرعيِّ الدقيق والعلوم الدنيويَّة العصريَّة. من نتاجه المطبوع: أولًا - سلسلةُ في طريق الإسلام، منها: ١ - العقيدةُ الإسلاميَّة وأُسُسُها. ٢ - الأخلاقُ الإسلاميَّة وأُسُسُها. ٣ - الحضارةُ الإسلاميَّة وأُسُسُها ووَسائلُها. ٤ - الأمَّةُ الربانيَّة الواحدَة. ٥ - فقهُ الدَّعوة إلى الله، وفقهُ النُّصْح والإرشاد. ثانيًا - دراساتٌ قرآنيَّة، منها: ١ - قواعدُ التدبُّر الأمثَل لكتاب الله ﷿. ٢ - مَعارجُ التفكُّر ودقائقُ التدبُّر (وهو تفسير بديع للقرآن الكريم في ١٥ مجلدًا) . ٣ - أمثالُ القرآن وصُوَرٌ من أدبه الرَّفيع. ثالثًا - سلسلةُ أعداء الإسلام، منها: ١ - مَكايدُ يهوديَّةٌ عبرَ التاريخ. ٢ - صراعٌ مع الملاحِدَة حتى العَظْم. ٣ - أجنحَةُ المكر الثلاثةُ وخَوافيها (التبشير، الاستشراق، الاستعمار) . ٤ - الكَيدُ الأحمرُ (دراسة واعية للشيوعيَّة) . ٥ - غَزوٌ في الصَّميم. ٦ - كَواشِفُ زُيوفٍ في المذاهب الفكريَّة المعاصرَة. ٧ - ظاهرةُ النفاق وخَبائثُ المنافقين في التاريخ. رابعًا - سلسلةُ من أدب الدَّعوة الإسلاميَّة، منها: ١ - مبادئُ في الأدب والدَّعوة. ٢ - البلاغةُ العربيَّة (أُسُسُها وعُلومُها وصُوَرٌ من تَطبيقاتها) . ٣ - ديوانُ ترنيمات إسلاميَّة (شعر) . ٤ - ديوانُ آمَنتُ بالله (شعر) . خامسًا - كتبٌ متنوِّعَة: ١ - ضَوابطُ المعرفة وأصولُ الاستدلال والمناظَرة. ٢ - بَصائرُ للمسلم المعاصِر. ٣ - الوالدُ الداعيةُ المربِّي الشيخُ حسن حَبَنَّكَة المَيداني (قصَّة عالم مجاهد حَكيم شُجاع) . ٤ - التحريف المعاصر (ردٌّ على كتاب د. محمد شحرور: الكتاب والقرآن قراءة معاصرة) . ولزوجته الدَّاعية المربِّية عائدة راغب الجرَّاح الأستاذة بجامعة أمِّ القُرى سابقًا - رحمها الله تعالى (توفِّيت قبل الشيخ بزُهاء سنتين) - كتاب: عبدُ الرَّحمن حَبَنَّكَة المَيدانيُّ العالم المفكِّر المفسِّر (زوجي كما عرفته)، صدرَ عن دار القلم بدمشقَ، ضمن سلسلة: علماء ومفكِّرون معاصرون، لمحاتٌ من حياتهم، وتعريفٌ بمؤلَّفاتهم. في ليلة الأربعاء ٢٥ من جُمادى الآخرة ١٤٢٥هـ قضى الله قضاءه الحقَّ بوفاة الشيخ عبد الرحمن حَبَنَّكَة المَيداني، عن ٨٠ سنة، في إثْر مرض خَبيث ألمَّ به. شُيِّعَت جِنازةُ الشيخ عصرَ يوم الأربعاء، وكانت جِنازةً حافلةً مشهودةً، خرجَ فيها آلافُ المشيِّعينَ من العلماء والكُبَراء والعامَّة، تملؤُهم الحسرةُ وتَمُضُّهُم الأحزان، وصُلِّي عليه في جامع الأمير مَنْجَك في حيِّ المَيدان، وأبَّنَهُ عقِبَ الصَّلاة شيخُ قرَّاء الشام فضيلةُ الشَّيخ محمد كريِّم راجح، وألقى ولدُه الدكتور وائل قصيدةً في رثائه، ثم وُوريَ في مثواهُ الأخير من دار الدُّنيا بمقبرة الجُورَة في المَيدان. رحمَ الله الشيخَ رحمةً واسعة، وجَزاهُ عن دَعوته وجهاده خيرَ ما يجزي المحسنينَ، وأخلفَ في الأمَّة أمثاله، وإنا لله وإنا إليه راجعون، ولا حولَ ولا قوَّةَ إلا بالله العَليِّ العظيم.
الشيخ حسن حبنكة الميداني [والد المؤلف] بقلم د: يحيى الغوثاني لقد كان الشيخ حسن حبنكة ذا هيبة كبيرة في قلوب أهل الشام ولا زلنا نذكر ونحن صغار شَبَبة كيف كنا نتطلع إلى رؤية وجهه ومحياه عندما يدخل إلى بعض المحافل أو يحضر إحدى المناسبات.... وإن أنس لا أنس ذلك الحفل المهيب الذي حضر فيه أكابر علماء دمشق ليسلموا شهادات التقدير والتخرج لطلبة معهد الفرقان وذلك عام ١٩٧٦ م وقد امتلأ المكان بأكابر القوم وحشد من أهل العلم وألقى العلماء كلماتهم وكان قمر هذه الحفل الشيخ حسن حبنكة الميداني ﵀ وتشرفنا بتسليم شهاداتنا من يده
١ـ مولده ونسبه: ولد الشيخ حسن حبنكة ﵀ في العام ١٣٢٦ هجرية والموافق لعام ١٩٠٨ ميلادية في دمشق في حيِّ الميدان، المعروف بأصالته العربية، وحبه للدين، ومحافظته على العادات والشيم الرفيعة. ويعود نسب الشيخ إلى عرب بني خالد، وهم قبيلة معروفة من قبائل العرب، ولها منازل في بادية حماة من أرض الشام. نشأ الشيخ في أحضان عائلة تتصف بالاستقامة والصلاح، فوالده الحاج مرزوق عُرف بتدينه ومواظبته على الطاعات، وحب فعل الخير، والبر بوالديه وبخاصة والدته، التي كان لها الخادم البار في سنيِّ كبرها وعجزها، وكان مواظبًا على العبادة في وقت السحر، ويخرج إلى صلاة الفجر مبكرًا فيصلي ويجلس للذكر وتلاوة القرآن، وكان ذا رغبة صادقة في أن يكون ولده (حسن) عالمًا. وأما والدة الشيخ فهي الحاجة خديجة المصري، من قرية الكسوة جنوب دمشق، وهي من النساء الصالحات العفيفات، وقد توفيت أثناء عودتها من رحلة الحج عن طريق البحر، مع ابنها الشيخ حسن.
٢ـ نشأته وطلبه للعلم: نشأ الشيخ منذ طفولته متوقد الذكاء، قوي الحافظة طموحًا، محبًا للعلم والفضيلة والمجد، فتعلم في الكُتاب القراءة والكتابة والقرآن، ثم أرسله أبوه إلى مدرسة في أطراف دمشق، يشرف عليها الشيخ شريف اليعقوبي وكان أهل علم وصلاح، وبعد أن أنهى صفوف المدرسة عنده اتجه إلى أستاذ آخر، كان قد سمع به في حيِّه وهو الشيخ طالب هيكل، وكان له علم بشيء من النحو والصرف والفقه على مذهب الإمام الشافعي، فاستفاد منه في هذه العلوم، ثم تعرف على عالم آخر من المعروفين بالعلم والورع والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهو الشيخ عبد القادر الأشهب، فتلقى عنه أوسع مما تلقى عن شيخه السابق، لكن رغبته في العلم، وطموحه في التحصيل، كانا يدفعانه إلى المزيد من العلم، والجلوس بين يدي العلماء، لاسيما وقد سمع بكبار العلماء في قلب مدينة دمشق، فبدأ الاتصال بهم واحدًا فواحدًا، ليروي نهمه العلمي، وكان والده يشجعه على ذلك، وقد تكفل به وبأسرته، بعد أن زوجه في سن صغيرة في الخامسة عشر من عمره. تابع الشيخ مسيرته العلمية، بكل همة واجتهاد ونشاط، ينهل من مختلف العلوم العربية والشرعية، وحتى بعض العلوم الكونية مثل الطب وعلم النبات، خصوصًا وقد أكرمه الله ﷿ بالتعرف على ثلة من جهابذة العلماء، كان في مقدمتهم الشيخ محمود العطار وهو فقيه حنفي وعالم متمكن، فتتلمذ على يديه سنين طوالًا، كما اتصل بالعلامة التقي الورع والأصولي والفقيه البارع، الشيخ أمين سويد رحمه الله تعالى ولازمه ملازمة طويلة، ثم التقى عالمًا ضليعاَ بعلوم اللغة العربية لاسيما البلاغة والأدب وحسن صياغة النصوص والإنشاء هو الشيخ عبد القادر الاسكندراني ﵀ الذي أفاده في هذه العلوم كثيرًا، كما استفاد من عالم كردي متمكن في العلوم العقلية (المنطق والفلسفة وأصول الفقه) فقرأ عليه عددًا من الكتب في هذه العلوم، كما تتلمذ على الشيخ عطا الكسم مفتي الديار الشامية، فلازمه مدة سمع خلالها مسائل كثيرة من الفقه الحنفي، وأكرمه الله ﵎ بالاتصال بعلامة الشام وشيخ مشايخها الشيخ بدر الدين الحسني الذي أفرد له وقتًا خاصًا، ليقرأ عليه فيه واستمر ذلك حتى وفاة الشيخ بدر الدين رحمه الله تعالى فاستفاد من علمه وروحانيته الشيء الكثير. هؤلاء هم أشهر الأساتذة والمشايخ، الذين تلقى عنهم، واغترف من غزير علومهم ومعارفهم واقتبس من أخلاقهم وصفاتهم، مع ما وهبه الله من عقل ذكي وبديهة حاضرة وحب شديد للمعرفة بحيث أصبح من خيرة العلماء علمًا وعملًا ودعوة.
٣ـ مرحلة الدعوة والتعليم: لم يكن الشيخ محبًا للعلم، والاستزادة منه، ليملأ به عقله وذهنه فحسب، ومن ثم يتغنى بأمجاد العلم ويتعالى به على الناس، بل كان العلم هو وسيلته إلى الدعوة إلى الله ﷿، وإصلاح المجتمع، وتربية العلماء الراسخين، الذين يقودون حركة الإصلاح والنهوض بمجتمعهم، لذلك رأيناه يسلك طريق الدعوة والتعليم، وهو بعد ما يزال صغيرًا طالب علم، فملأ وقته مابين طلب للعلم ومابين التعليم والوعظ والإرشاد، وأصبح له طلاب يقصدونه، ليقرؤا عليه بعض الكتب في مختلف العلوم بعد أن عاينوا تمكنه وحسن أسلوبه وشرحه. ولما قامت النهضة العلمية الدعوية في دمشق، على يد العالم الداعية الشيخ علي الدقر رحمه الله تعالى كان الشيخ حسن أحد أركانها، وقدم لها كل إمكاناته وكان مديرًا لإحدى المدارس التي أنشأها بالتعاون مع الجمعية الغراء جمعية الشيخ علي الدقر، وهي مدرسة (وقاية الأبناء) وشهدت المدرسة في عهد إدارته نجاحًا باهرًا، وتخرج منها طلاب علم غدوا فيما بعد من أكابر علماء الشام، وفي هذه الأثناء لم ينقطع الشيخ حسن عن التعليم والدعوة في جامع منجك مقرِّ دعوته الرئيسي، حيث كان الطلاب يتوافدون عليه صباحًا ومساءً، ويتنقلون من علم إلى علم وفق منهج جادٍ صارمٍ، لتبنى شخصياتهم العلمية بناءً قويًا راسخًا، وكانت فكرة إنشاء معهد شرعي له نظامه المتكامل، وصفوف متدرجة، فكرة قد شغلت ذهن الشيخ وصمم على تنفيذها مستعينًا بالله ومتوكلًا عليه، وتم له ما أراد حين قام (معهد التوجيه الإسلامي) بإشراف الشيخ حسن وبمعونة طلابه المتقدمين، الذين تعب على تدريسهم وتعليمهم، ليكونوا من خيرة الأساتذة بل والعلماء ولقد تخرج من هذا المعهد، العدد الكبير من طلاب العلم، من سوريا ولبنان والأردن وتركيا وبعض البلاد الإفريقية، والذين أصبح الكثير منهم علماء البلاد ومراجع الناس في العلم والفتوى. ولم يعتن الشيخ كثيرًا بالتأليف، لأنه كان منصرفًا إلى تربية الرجال المؤمنين الصادقين وتخريج العلماء المتمكنين، وطلابه اليوم والحمد لله هم في مقدمة علماء سوريا، أمثال أخيه العالم الفقيه واللغوي الأديب، والخطيب الحكيم، الشيخ صادق حبنكة حفظه الله وبارك في حياته، والشيخ حسين خطاب رحمه الله تعالى شيخ قراء الشام العالم العامل، والداعية المؤثر، وخلفه الشيخ محمد كريم راجح شيخ قراء الشام حاليًا الخطيب المفوه، والأديب الشاعر والفقيه الحاذق، والشيخ الدكتور مصطفى الخن الفقيه الأصولي، الأديب والمدرس في كليات الشريعة في دمشق وفي المملكة العربية السعودية، والشيخ الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي العالم المفكر الفقيه الأصولي والداعية المشهور، ونجل الشيخ الأكبر الشيخ عبد الرحمن حبنكة رحمه الله تعالى العالم المطلع، والمصنف المكثر الأستاذ في كلية الشريعة في جامعة أم القرى في مكة المكرمة.
٤ـ أسلوبه في التعليم: كان الشيخ حريصًا على أن يُخرِّج علماء، يتقنون ما تعلموه ليستطيعوا بذله للناس بكل ثقة وأمانة فكان مع الطلاب المبتدئين، كثير الشرح والبيان لمسائل العلم الذي يتلقونه، يعطيهم مفاتيح العلوم ويحثهم على الرجوع إلى الكتب لفهم عباراتها، وحفظ مسائلها، وأما الطلاب المتقدمون، فكان يدربهم على استخراج المسائل من مظانها، وتحليل القضايا إلى عناصرها، تحليلًا عقليًا منطقيًا ويمرنهم على المناظرة والمحاورة، لتكون لكل منهم شخصيته العلمية المستقلة، التي تعتمد على قدراتها وتثق بإمكاناتها.
٥ـ مشاركاته العلمية: كانت للشيخ مكانته العلمية والدينية المتميزة، ولذلك لما تأسست جمعية لعلماء سوريا باسم (رابطة العلماء) كان الشيخ أحد أعضائها البارزين، فكان الشيخ أبو الخير الميداني رئيسًا لها والشيخ حسن حبنكة أمينًا عامًا لها، وقد قامت هذه الرابطة بدور توجيهي بالغ الأثر في الحياة العامة للبلاد. وشارك الشيخ أيضًا في رابطة العالم الإسلامي، واختير عضوًا فيها عن سوريا خلفًا للشيخ مكي الكتاني رحمه الله تعالى، وكان يحضر اجتماعاتها السنوية في مكة المكرمة مشاركًا بعلمه ورأيه.
٦ـ اهتمامه بالمجتمع والأعمال الخيرية: إن مثل الشيخ حسن حبنكة رحمه الله تعالى، في وراثته لهدي النبوة التي كانت رحمة للناس في كافة مجالات حياتهم، لايمكن أن يكون بمعزل عن حياة الناس، وعن المشاركة في حلِّ أزماتهم وتخفيف معاناتهم، ورفع شأنهم في كل أمر، لذلك وجَّه الشيخ عنايته إلى أفراد حيِّه أولًا يبحث عن الفقراء والمحتاجين والمرضى والأيتام، ليحوطهم بكل ما يستطيع تقديمه لهم، وذلك بمعونة أهل الخير والإحسان، وراح يوجه إلى قيام وإنشاء الجمعيات الخيرية، التي تتولى جمع التبرعات من زكوات وصدقات، لتوزع على المستحقين بكل أمانة ودقة، وكانت فاتحة هذه الجمعيات (جمعية أسرة العمل الخيري) ثم توسع هذا العمل المبرور، إلى باقي أحياء وحارات الميدان ومدينة دمشق، كما كان الشيخ أيضًا ملاذ الناس في معضلات أمورهم، ومشاكلهم يهرعون إليه للنظر فيها والمساعدة على حلها، فكان بيت الشيخ دارًا للقضاء والشورى وفضِّ المنازعات.
٧ـ مواقفه الإسلامية الشجاعة: إن من أعظم ما يتميز به الشيخ حسن رحمه الله تعالى جرأته في الحق، وشجاعته في مواجهة الباطل، وهي صفة رافقته منذ يفاعته وشبابه المبكر، فحينما اندلعت الثورة السورية على المستعمر الفرنسي عام ١٩٢٥م وكان الشيخ يطلب العلم، وهو في مقتبل العمر في السابعة عشر من عمره، هبَّ ليشارك الثوار المجاهدين، وانضوى تحت لواء واحد من مشاهيرهم، وهو الشيخ محمد الأشمر رحمه الله تعالى وشارك في قتال المغتصبين المحتلين. ولما أرادت فرنسا فرض (قانون الطوائف)، محاولة بذلك تغيير العديد من قوانين الأحوال الشخصية المستمدة من الشريعة الإسلامية، قام الشيخ خطيبًا ينبه العقول، ويفضح الألاعيب ويُلهب المشاعر، وكان لموقفه هذا أثره البالغ في إبطال العمل بذلك القانون المنحرف. وهكذا كان الشيخ ﵀ في كل مرة وفي أي عهد من العهود، لسان الحق الجريء المقدام الذي ينافح عن عقيدة الأمة وتشريعها وتاريخها، مرتكزًا في ذلك على علم راسخ، ووعي يدرك أبعاد القضايا، وحكمة تزن الأمور بميزان دقيق حساس، وقلب عميق الصلة بالله والتوكل عليه واحتساب الأجر والثواب عنده وحده، ولقد لقي الشيخ في سبيل ذلك من المكاره والأذى الشيء الكثير، ولكنه وبفضل الله ومعونته خرج ظافرًا منتصرًا.
٨ - صفاته الشخصية ومشاركاته الأدبية ومختارات من شعره: لقد أوتي الشيخ ﵀ من الصفات الذاتية والمحامد الخلقية نصيبًا موفورًا، فكان حاد الذكاء حاضر البديهة، وكان عميق التفكير، صادق الفراسة، وكان فصيح اللسان واسع الشرح والبيان وخطيبًا جماهيريًا يملك قلوب وأفكار مستمعيه، وكان محدثًا بارعًا يأسر مَن يحدثه بحسن بيانه وجواهر لفظه، وكان ﵀ عظيم الصبر على الناس كثير التسامح حريصًا على تأليف القلوب، وكان كثير الاهتمام بعيادة المرضى والدعاء لهم بالشفاء، وكان حكيمًا في فضِّ المنازعات وإطفاء نيران الفتنة بين الناس، وكان ﵀ عفيفًا يعلم طلابه ويدربهم على العفة والترفع عن الدنايا والصغائر، وكان متواضعًا وخصوصًا لرجل صالح أو عالم فاضل أو شيخ كبير السن أو امرأة عجوز، وهو في ذات الوقت كان عزيزًا لم يُهن نفسه لغني من أجل غناه، ولا لذي وجاهة في قومه من أجل وجاهته، ولم يمالئ ذا سلطان وهو في سلطانه، وكان الشيخ ذا حس ونفس أدبي واضح، وربما نظم شعرًا وجدانيًا دينيًا، لكنه فيه مقلٌّ إذ لم يُفرِّغ نفسه له وفي مناسبة من مناسبات الحج فاضت مشاعره ببعض أبيات ومما قاله فيها: صفق القلب للحجاز وثارا.... شفه الشوق للحبيب فطارا واقتفت إثره الجسومُ غرامًا.... فجرى الركب في الرمال وسارا يا ديار الحبيب يا أنس قلبي.... عدل الدهر في الهوى أو جارا يا بقاع الأنوار من فيض ربي.... حدثيني عن الرسول جهارا
٩ - صفاته التربوية: كان ﵀ مربيًا شديد الملاحظة والمتابعة، لا تكاد تفوته كبيرة ولا صغيرة من حركات مَن هم في دائرة تربيته وتوجيهه، وكان من أساليبه التربوية إلجاء مَن يشرف على تربيتهم إلى ممارسة الأمور التي يحرص أن يربيهم عليها، من أعمال وأقوال وتعليم وتوجيه. وكان أخشى ما يخشاه أن يُصاب من هو في دائرة تربيته بالغرور بنفسه فيستكبر أو يقنع بما وصل إليه فلا يتابع مسيرته متناميًا متكاملًا. وكان من أساليبه التربوية أيضًا تصيد أيِّ حدث يمكن الاستفادة منه لتربية العقائد والمفاهيم الإسلامية وتثبيتها وتعميقها.
١٠ - وفاته: أصيب الشيخ بجلطة قلبية، نتيجة الإجهاد والتعب المتواصل، وما يحمل من هموم الأمة وآلامها ولكنها مرت بسلام، إلا أن همة الشيخ وصحته لم تعد كما كانت من قبل، وفي فجر الاثنين في ١٤ذي القعدة /١٣٩٨ هجرية الموافق ١٦/١٠/١٩٧٨م التحق الشيخ بالرفيق الأعلى عن عمر ناهز السبعين عامًا، وكان قد أزمع السفر إلى مكة المكرمة، لحضور مؤتمر من مؤتمرات رابطة العالم الإسلامي، ثم الحج إلى بيت الله الحرام، وما إن أشيع النبأ حتى عم الحزن والأسى بلاد الشام قاطبة، وتقاطرت الوفود من كل الجهات لتشييع جنازته، التي كانت جنازة ضخمة مشى فيها مئات الآلاف من محبي الشيخ وطلابه وعارفيه، وصُلي عليه في الجامع الأموي الكبير في قلب دمشق، ثم دُفن في حيِّه حيِّ الميدان بجوار المسجد الجامع الذي سعى في إنشائه وإعماره والذي سُمي فيما بعد جامع الحسن.تغمد الله الشيخ حسنًا بواسع رحمته، ورفع مقامه في عليين، وجزاه عن جهاده ودعوته وتعليمه أفضل ما يُجازى العاملون، وجمعنا به مع أشياخنا وأحبابنا في مستقر رحمته، تحت لواء الحبيب المصطفى ﷺ.
الشيخ عبد الرحمن حبنكة الميداني [المؤلف] بقلم د: يحيى الغوثاني مولده وتعليمه: ولد الشيخ عبد الرحمن حسن حبنكة في دمشق بحي الميدان سنة ١٩٢٧م / ١٣٤٥ هـ، ونشأ في بيت علم ودعوة تحيط به ظروف قلَّما تيسَّرت لغيره، فهو سليل إحدى العائلات الدمشقيّة العريقة التي عُرِفت بالعلم، وهو والعلم والدعوة - بدءًا من نشأته الأولى منذ ما يزيد عن ستين عامًا - توءمان لا يفترقان، وكان لوالده الشيخ حسن حبنكة فضل تربيته وتأديبه وتعليمه. درس الشيخ عبد الرحمن في "معهد التوجيه الإسلامي"، الذي أنشأه والده ﵀، وتخرج فيه عدد من علماء دمشق المعروفين.. كالشيخ الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي، والشيخ الدكتور مصطفى سعيد الخنّ، والشيخ حسين خطَّاب ﵀، والدكتور مصطفى البغا، وغيرهم. ثم درس الشيخ في الأزهر الشريف، وعمل بعد تخرجه في مديرية التعليم الشرعي التابعة لوزارة الأوقاف السورية، ثم عضوًا لهيئة البحوث في وزارة التربية والتعليم في سوريا، ثم انتقل إلى السعودية بعد عام ١٩٦٧م ليعمل أستاذًا في جامعة الإمام محمد بن سعود في الرياض، ثم أستاذًا في جامعة أم القرى في مكة قرابة ثلاثين عامًا.
من مؤلفاته: قدّم الشيخ عبد الرحمن حبنكة كتبا قيمة زادت على الثلاثين كتابا أثرى بها المكتبة الإسلامية والفكر الإسلامي؛ حيث تعدَّدت إسهاماته وتنوعت في مجالات متعددة: في العقيدة، والدعوة، والأدب، والأخلاق، والدراسات القرآنية، وسلسلة أعداء الإسلام: "اليهود - الشيوعية - التيارات المعاصرة - الغزو الفكري"، وغيرها، ونذكر من كتبه ما يلي: - العقيدة الإسلاميَّة وأسسها. - الأخلاق الإسلاميَّة وأسسها. - قواعد التدبُّر الأمثل لكتاب الله. - أمثال القرآن وصور من أدبه الرفيع. - مكايد يهوديَّة عبر التاريخ. - صراع مع الملاحدة حتى العظم. - أجنحة المكر الثلاثة. - ديوان "ترنيمات إسلاميَّة"، شعر. - ديوان "آمنت بالله"، شعر. - ديوان "أقباس" في منهج الدعوة وتوجيه الدعاة. - ضوابط المعرفة وأصول الاستدلال والمناظرة. - مبادئ في الأدب والدعوة. - معارج التفكر ودقائق التدبر. - نوح ﵇ وقومه في القرآن. - تدبر سورة الفرقان. - روائع من أقوال الرسول. - الصيام ورمضان في السنة والقرآن. - براهين وأدلة إيمانية. - ابتلاء الإرادة بالإيمان والإسلام والعبادة. - غزو في الصميم. - الكيد الأحمر. - ظاهرة النفاق وخبائث المنافقين. - كواشف زيوف في المذاهب الفكرية المعاصرة. - بصائر للمسلم المعاصر. - التحريف المعاصر في الدين. - الحضارة الإسلامية. - توحيد الربوبية وتوحيد الإلهية. - فقه الدعوة إلى الله تعالى. - البلاغة العربية أسسها وعلومها وفنونها وصور من تطبيقاتها. - صفات عباد الرحمن في القرآن. - - قدّم لكتاب: منهج التربية النبوية للطفل مع نماذج تطبيقية من حياة السلف الصالح.
من آرائه ومواقفه التاريخية: ومن آرائه البارزة في طبيعة اليهود ما ذكره في كتابه: "مكايد يهودية عبر التاريخ"، الذي كشف فيه حقيقة الكيان الصهيوني والعقيدة الصهيونية؛ حيث بين أنها قائمة على الظلم والعدوان منذ عهد الرسول ﷺ وحتى يومنا هذا. وقال: إن الدارس عبر التاريخ لليهود بوصفهم شعبًا له صفاته وخصائصه المميزة يجده شعبًا شريرًا، خائنًا، ملتويًا، خبيث الطوية، ماجن السلوك، عنصريًا، مغرورًا، جشعًا، يستغل الآخرين، يثير الفتن، ويبيت المؤامرات ضد الأمم والشعوب الأخرى. انظر: ص١٣- ٢٠. ومن آرائه المشهورة أنه ذكر أربع نقاط يمكن للإنسان أن يقيس نفسه بها ويعرف ما إذا كان قوي الإرادة أم ضعيفها وهى: ١- سرعة مبادرته للخيرات والطاعات. ٢- التفاؤل بالخير دائما. ٣- تلقي الأحداث بصبر ورضي. ٤- ملك النفس عند الغضب. وقال: إن الإنسان إذا أراد أن يقوي إرادته الفعلية فعليه بما يلي: ١- تقوية إيمانه بالله تعالى وبصفاته الحسنى وبقضائه وقدره. ٢- التدريب العملي من خلال مجاهدة النفس. ٣- ممارسات العبادات. ومن مواقفه التاريخية في مضمار التصدي لما يسمى بالغزو الفكري أنه في أحد صباحات نيسان ١٩٦٧م تسلل أحد الغزاة الفكريين إلى إحدى المطبوعات الدورية الحكومية في سوريا، ودس مقالا تخريبيا للفكر الإسلامي، فما كان منه ﵀ إلا أن تصدى له في منبر جامع الميدان ملهبا مشاعر الجماهير المسلمة التي اندفعت إلى الشوارع في مظاهرات صاخبة، وأغلقت المحال؛ حيث كان الظرف السياسي في تلك الآونة شديد التأزم والخطورة، فتحركت الدولة بسرعة لامتصاص الأزمة، وفعلا وقع على من له علاقة بما نشر في المجلة أحكام مشددة. رحم الله الشيخ عبد الرحمن حبنكة، فسجله الحافل بالتصدي للغزو الفكري وأكثر من ثلاثين عاما قدم فيها في المملكة العربية السعودية خلاصة فكره المنير لهي إضاءات أنارت قلوب وعقول شباب الأمة المسلمة.
الشيخ عبد الرحمن حبنكة الميداني [المؤلف] بقلم: وصفي عاشور أبو زيد، باحث مصري في العلوم الشرعية عبد الرحمن حبنكة (١٣٤٥ - ١٤٢٥ هـ) توفي في العاصمة السورية دمشق ساعة مبكرة من صباح يوم الأربعاء / ٨ / ٢٠٠٤ م، عن عمر مديد مبارك يناهز السابعة والسبعين عاما.. من قدر الله الذي جرى على أمتنا الإسلامية في التسع سنوات الأخيرة أن رزئت بموت كوكبة من أكابر علمائها، على رأسهم: المفكر الداعية الشيخ محمد الغزالي، والإمام الأكبر الشيخ جاد الحق، والكاتب الإسلامي خالد محمد خالد، والمفسر الملهم الشيخ الشعراوي، والفقيه المحقق مصطفى الزرقا، والمحدث المدقق ناصر الدين الألباني، والخطيب المؤيَّد عبد الحميد كشك، والأديب الفقيه علي الطنطاوي، واللغوي الحُجة محمود محمد شاكر، والمصلح الألمعي أبو الحسن الندوي، والعالم الزاهد عبد العزيز بن باز، وراهب العلم الأستاذ محمد عبد الحليم أبو شقة، والفقيه الداعية الشيخ السيد سابق، والعالم المربي محمد الصالح العثيمين، والفقيه الأصولي الدكتور محمد بلتاجي حسن، وغيرهم وغيرهم، فلم يمض القرن العشرون إلا ومعه جل علمائه ودعاته ومصلحيه. واليوم يودعنا أحد هؤلاء المفكرين الأعلام الذين كرسوا حياتهم للدعوة إلى الله وتربية الأجيال، وتأليف الكتب، ومقارعة المتغربين والمستشرقين، والحفاظ على مبادئ الإسلام ومثله العليا ومقاصده الكبرى، والتصدي للغزو الفكري حتى لقَّبه أحد زملائه بـ "أبو الغزو الفكري والثقافة الإسلاميَّة". إنه العالم المفكر الداعية الشيخ الدكتور عبد الرحمن حسن حبنكة الميداني مولده وتعليمه: ولد الشيخ عبد الرحمن حسن حبنكة في دمشق بحي الميدان سنة ١٩٢٧م / ١٣٤٥ هـ، ونشأ في بيت علم ودعوة تحيط به ظروف قلَّما تيسَّرت لغيره، فهو سليل إحدى العائلات الدمشقيّة العريقة التي عُرِفت بالعلم، وهو والعلم والدعوة - بدءًا من نشأته الأولى منذ ما يزيد عن ستين عامًا - توءمان لا يفترقان، وكان لوالده الشيخ حسن حبنكة فضل تربيته وتأديبه وتعليمه. درس الشيخ عبد الرحمن في "معهد التوجيه الإسلامي"، الذي أنشأه والده ﵀، وتخرج فيه عدد من علماء دمشق المعروفين.. كالشيخ الداعية الفقيه الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي، والشيخ الدكتور مصطفى سعيد الخنّ، والشيخ حسين خطَّاب ﵀، والدكتور مصطفى البغا، وغيرهم. ثم درس الشيخ في الأزهر الشريف، وعمل بعد تخرجه في مديرية التعليم الشرعي التابعة لوزارة الأوقاف السورية، ثم عضوًا لهيئة البحوث في وزارة التربية والتعليم في سوريا، ثم انتقل إلى السعودية بعد عام ١٩٦٧م ليعمل أستاذًا في جامعة الإمام محمد بن سعود في الرياض، ثم أستاذًا في جامعة أم القرى في مكة قرابة ثلاثين عامًا. من مؤلفاته: قدّم الشيخ عبد الرحمن حبنكة كتبا قيمة زادت على الثلاثين كتابا أثرى بها المكتبة الإسلامية والفكر الإسلامي؛ حيث تعدَّدت إسهاماته وتنوعت في مجالات متعددة: في العقيدة، والدعوة، والأدب، والأخلاق، والدراسات القرآنية، وسلسلة أعداء الإسلام: "اليهود - الشيوعية - التيارات المعاصرة - الغزو الفكري"، وغيرها، ونذكر من كتبه ما يلي: - العقيدة الإسلاميَّة وأسسها. - الأخلاق الإسلاميَّة وأسسها. - قواعد التدبُّر الأمثل لكتاب الله. - أمثال القرآن وصور من أدبه الرفيع. - مكايد يهوديَّة عبر التاريخ. - صراع مع الملاحدة حتى العظم. - أجنحة المكر الثلاثة. - ديوان "ترنيمات إسلاميَّة"، شعر. - ديوان "آمنت بالله"، شعر. - ديوان "أقباس" في منهج الدعوة وتوجيه الدعاة. - ضوابط المعرفة وأصول الاستدلال والمناظرة. - مبادئ في الأدب والدعوة. - معارج التفكر ودقائق التدبر. - نوح ﵇ وقومه في القرآن. - تدبر سورة الفرقان. - روائع من أقوال الرسول. - الصيام ورمضان في السنة والقرآن. - براهين وأدلة إيمانية. - ابتلاء الإرادة بالإيمان والإسلام والعبادة. - غزو في الصميم. - الكيد الأحمر. - ظاهرة النفاق وخبائث المنافقين. - كواشف زيوف في المذاهب الفكرية المعاصرة. - بصائر للمسلم المعاصر. - التحريف المعاصر في الدين. - الحضارة الإسلامية. - توحيد الربوبية وتوحيد الإلهية. - فقه الدعوة إلى الله تعالى. - البلاغة العربية أسسها وعلومها وفنونها وصور من تطبيقاتها. - صفات عباد الرحمن في القرآن. - منهج التربية النبوية للطفل مع نماذج تطبيقية من حياة السلف الصالح. من آرائه ومواقفه التاريخية: ومن آرائه البارزة في طبيعة اليهود ما ذكره في كتابه: "مكايد يهودية عبر التاريخ"، الذي كشف فيه حقيقة الكيان الصهيوني والعقيدة الصهيونية؛ حيث بين أنها قائمة على الظلم والعدوان منذ عهد الرسول ﷺ وحتى يومنا هذا. وقال: إن الدارس عبر التاريخ لليهود بوصفهم شعبًا له صفاته وخصائصه المميزة يجده شعبًا شريرًا، خائنًا، ملتويًا، خبيث الطوية، ماجن السلوك، عنصريًا، مغرورًا، جشعًا، يستغل الآخرين، يثير الفتن، ويبيت المؤامرات ضد الأمم والشعوب الأخرى. انظر: ص١٣- ٢٠. ومن آرائه المشهورة أنه ذكر أربع نقاط يمكن للإنسان أن يقيس نفسه بها ويعرف ما إذا كان قوي الإرادة أم ضعيفها وهى: ١- سرعة مبادرته للخيرات والطاعات. ٢- التفاؤل بالخير دائما. ٣- تلقي الأحداث بصبر ورضي. ٤- ملك النفس عند الغضب. وقل: إن الإنسان إذا أراد أن يقوي إرادته الفعلية فعليه بما يلي: ١- تقوية إيمانه بالله تعالى وبصفاته الحسنى وبقضائه وقدره. ٢- التدريب العملي من خلال مجاهدة النفس. ٣- ممارسات العبادات. ومن مواقفه التاريخية في مضمار التصدي لما يسمى بالغزو الفكري أنه في أحد صباحات نيسان ١٩٦٧م تسلل أحد الغزاة الفكريين إلى إحدى المطبوعات الدورية الحكومية في سوريا، ودس مقالا تخريبيا للفكر الإسلامي، فما كان منه ﵀ إلا أن تصدى له في منبر جامع الميدان ملهبا مشاعر الجماهير المسلمة التي اندفعت إلى الشوارع في مظاهرات صاخبة، وأغلقت المحال؛ حيث كان الظرف السياسي في تلك الآونة شديد التأزم والخطورة، فتحركت الدولة بسرعة لامتصاص الأزمة، وفعلا وقع على من له علاقة بما نشر في المجلة أحكام مشددة. رحم الله الشيخ عبد الرحمن حبنكة، فسجله الحافل بالتصدي للغزو الفكري وأكثر من ثلاثين عاما قدم فيها في المملكة السعودية خلاصة فكره المنير لهي إضاءات أنارت قلوب وعقول شباب الأمة المسلمة.
Unknown page