فهذا يزيد بن معاوية (60-64ه) الذي (يبادر ويجاهر بمعصيته ويستحسن خطأه، ويهون الأمور على نفسه في دينه إذا صحت له دنياه)(1) بعد أن فرض والده معاوية (40-60ه) حكمه على المسلمين بالسيف والجبروت مرة، ونشر مذهب الجبر أخرى(2) يبادر بعد قتله الإمام الحسين وشيعته بكربلاء إلى المدينة ليقتل حتى من تقاعس عن نصرة الحسين في وقعة الحرة (63ه) التي قتل فيها خلق كثير من الصحابة رضي الله عنهم ومن غيرهم، ونهبت المدينة، وافتضت فيها ألف عذراء(3) وبنو أمية وهم في سبيل ترسيخ أركان مذهبهم وحكمهم بشتى الأساليب خلال هذه الفترة لم يشهدوا أي حركة معارضة سوى ما حدث من حركة التوابين التي أجهضت حين قيامها (65ه) وكذا حركة المختار الثقفي الذي تمكن من السيطرة على العراق، وتتبع بالقتل كل من شهد مقتل الإمام الحسين بكربلاء، وأخذ بثأر أهل البيت، إلا أن حركة المختار قد لقيت نهايتها باستشهاده (67ه) على يد أصحاب عبد الله بن الزبير (64-74ه) المناوئ لبني أمية، والذي لقي بدوره مصرعه على يد الحجاج بعد أن أجهض ابن الزبير الحركات المناصرة لأهل البيت (ع) ضد بني أمية؛ موطدا بذلك حكم بني مروان الأمويين من جديد، حيث وثق الأمر (لعبد الملك بن مروان بن الحكم بن العاص بن أمية) (74-86ه) والذي بادر بهدم الكعبة أول أمره وكان يقول: (والله لا يأمرني أحد بتقوى الله بعد مقامي هذا إلا ضربت عنقه)(4) ومنذ ذلك التأريخ وبنو مروان الأمويون يتداولون الحكم دون اعتبار للدين والإصلاح، ولم يشذ عن سلوكهم سوى عمر بن عبد العزيز(99-101ه) إلى أن وصلت الخلافة إلى هشام بن عبد الملك (105-125ه) الذي يروي عنه السيوطي في كتابه تاريخ الخلفاء قوله: (ما بقي شيء من لذات الدنيا إلا وقد نلته)(1).
خروج الإمام زيد بن علي واستشهاده
{الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل}[آل عمران: 173].
أشار الإمام محمد الباقر لأخيه الإمام زيد بعدم الخروج بقوله: (لا تركن إلى أهل الكوفة فإنهم أهل غدر ومكر، بها قتل جدك، وطعن عمك الحسن، وقتل أبوك الحسين) وودعه آخر من أهل بيته مبديا النصح بعدم الخروج قائلا: (أخاف عليك يا أخي أن تكون غدا المصلوب بكناسة الكوفة) ولكنه أبى إلا الخروج بعد أن قامت عليه الحجة بوجوب القيام بوجود الناصرين له.
فخرج في الكوفة بعد أن بايعه من أهلها قرابة خمسة عشر ألف رجل، ثم تفرقوا عنه ولم يبق معه سوى ثلاثمائة، ولما قتل حز رأسه وأرسل إلى الشام لهشام بن عبد الملك الذي أمر بإرساله إلى المدينة لنصبه عند قبر الرسول ، وصلبت جثته عريانا، ونسجت العنكبوت سترا على عورته، وظل مصلوبا قرابة أربع سنين ثم أنزل وحرق، وذر رماده في ماء الفرات.
Page 9