12 سبتمبر
ذهبت شارلوت إلى زوجها فغابت زمنا ما، وقد زرتها اليوم وحظيت بسعادة لا توصف؛ إذ قبلت يدها وطار عصفور «كناري» من المرآة إلى كتفها، فقالت: «هذا صديق جديد.» ثم أخذت تحرضه على الوقوف بيدها قائلة: «انظر كيف يحبني كثيرا، وكيف يحرك جناحيه الصغيرين، ويلتقط بمنقاره كلما أعطيه طعاما. بالله انظر يا فرتر إنه يقبلني تماما!» وقدمت له شفتيها، فظهر مبتهجا بأنفاسها العطرة، ثم قالت مادة يدها بالعصفور إلي: «والآن سيقبلك أيضا.» وعلى ذلك حول منقاره الصغير إلى شفتي، فما أجمل الشعور الذي أحسست به حينذاك! وقلت: «شارلوت! إن هذا الطائر الصغير لا تشبعه قبلاتنا تماما؛ فهو يطلب مكافأة مادية، إنه بحاجة إلى الطعام.» وأخذت بعض الخبز تطعمه إياه من فيها، فأرغمت على تحويل وجهي.
وا حزناه! إن عليها ألا تثير من عواطفي بمثل هذه المناظر، وإذا هجع فؤادي وجب أن تمنحه الراحة، فلا توقظه من النسيان إلى الذكرى، ومع ذلك أليس لها حق؟ ولكنها تثق بي كثيرا؛ فهي تعلم أنني أحبها.
الرسالة السادسة والستون
15 سبتمبر
ما أقتل هذه الكائنات الحقيرة لأي رجل ذي تفكير! فهي لتجردها عن الشعور لا تعبأ بالأشياء الهامة الخليقة بالالتفات. أنت تذكر ذكري لشجرتي الجوز في س... اللتين جلست تحتهما مع شارلوت عند القسيس الفاضل الشيخ، وكيف زينت تلك الشجرتان الجميلتان المحبوبتان مسكن رئيس الكنيسة، وأن ظل أفرعهما الموقرة كان يوحي أبهج الأفكار، ويحمل إلى الذاكرة ذكرى القسيس الفاضل الذي غرسهما، وكثيرا ما ذكر ناظر المدرسة اسم غارس الأولى، وقد عرفه من جده، فيقول: «لقد كان ذلك القسيس فاضلا عظيما، وطالما ذكر اسمه بسرور تحت هاتين الشجرتين.» وأخبرني هذا الناظر نفسه أمس والدموع في عينيه أنهما قد قطعتا، فصحت: «قطعتا! آه لو كنت حاضرا لقتلت بالتأكيد في سورة غضبي ذلك اللص الجريء الذي سدد إليهما الضربة الأولى، إن هذا لا يحتمل، ولو كنت صاحب شجرتين مثلهما، وهلكت إحداهما هرما للبست عليها الحداد.» ويظهر أن القرية جميعها مهتمة بالأمر، فالكل يتذمر، وآمل ألا يبعث الفلاحون الأمناء بعد الآن بهداياهم إلى زوجة القسيس، بل يذرونها تندم على ما اقترفت من إثم؛ فهي زوجة القسيس الحالي، الآمرة بقطعهما، وربما قد سقط الشيخ قبل شجرتيه، وليس ثمة من يجرؤ على قطع شجرتي الجوز سوى مخلوقة طويلة مخيفة هزيلة، نزلت بها الأسقام الدائمة، حتى لم تعد تسرها الحياة؛ فهي تحتقر العالم لأن العالم يحتقرها، سوى خرقاء بالية عتيقة تتظاهر بالعلم، وبمعرفة الكتب الشرعية، وبالمعاونة في كتابة «إصلاح أدبي انتقادي حديث للدين المسيحي» يفصح عن أمر الاحتقار للافاتر!
1
لن أنساهما أيها الصديق، ولن أغفر لها فعلتها أبدا، بل إن السبب السخيف الذي تبني عليه حمقها هذا يزيد في حنقي. فحقا إن الأوراق التي تسقط منها تجعل الفناء رطبا قذرا، والأفرع الباسقة تعترض الضوء، وصغار الصبية يرمون الجوز بالحجارة فيقلقون من أعصابها الحساسة، ويقطعون عليها تفكيرها العميق وهي تزن فضائل كنيكوت
2
وسملر
Unknown page