22 أغسطس
حال يرثى لها ويبكى عليها! فقد اضمحلت قواي العاملة، وانقلبت خمولا جامدا. لست أحتمل الكسل، على أنني لا أصلح لعمل ما، ولا أستطيع التفكير؛ لأنه يزيد في دائي، لم أعد أشعر بجمال الطبيعة أو تروح عني الكتب، ولكن هناك شيئا واحدا يتملك على عقلي، ولا يقربني سواه. وأود في بعض الأحايين لو كنت ميكانيكيا، إذا لقمت في الصباح، وقد أشغل بعمل أقطع به النهار الممل، وأبدد ظلمات أفكاري، وطالما حسدت ألبرت وهو مكب على أوراقه، وودت نفسي في مكانه، فكنت سعيدا، ها! «في مكانه!» إذا لكنت حقا سعيدا، وحينئذ شارلوت! ولكن دعنا من هذا.
تناولت القلم مرارا؛ لألتمس من الوزير الوظيفة التي يراها لي صديقي متى رغبت، وإنني لا أكاد أثق بنجاح مطلبي؛ فالرجل يكلؤني برعايته، ويظهر لي كثيرا رغبته في خدمتي، وتحت إمرته كما أعلم وظائف عدة؛ فهي لا تحتاج إلى كبير سعي أو عناء، ولكنني متى فكرت في الأمر، ذكرت خرافة الجواد الذي رضي بالسرج واللجام، وسرعان ما ندم على حريته التي ضحاها.
لست أدري أي طريق أسلك، وأعرف تقلب مزاجي، ولو أنني بطبيعتي لا أميل إلى التبديل، فأنا موقن بأنني في حالتي الحاضرة لا أستطيع التفكير في شيء سوى الحب.
الرسالة السادسة والثلاثون
28 أغسطس
لو أن هناك أي علاج لتوعكي هذا لأعطانيه هؤلاء القوم الأمجاد. هذا أيها الصديق يوم مولدي المنحوس، وصلتني في صباحه عقب مغادرة الفراش ربطة صغيرة من ألبرت معنونة بيد شارلوت، وفتحتها فوجدت نفس الشريط القرنفلي الضارب إلى الصفرة، الذي كان على ملابسها لأول مرة رأيتها فيها، والذي ألححت في طلبه منها مرارا؛ ليكون دليل ثقة وتقدير، أما ألبرت فكان منه مجلدا جيب من هومر، طالما سألته إياهما؛ لأن حمل المجلد الذي عندي أثناء السير يتعبني كثيرا. ما أشد دأبهم في إرضائي! وما أسمى هذه التذكارات الصغيرة، دلائل الصداقة، إذا قورنت بعطايا العظيم المشفوعة أبدا بمعاني الإذلال!
وأدنيت الشريط من شفتي الملتهبتين؛ فقد أذكرني تلك الأيام الهنيئة التي لا تعود. يا لنفسي! ما أعظم الفرق منذ ذلك الحين! على أنني لا أشكو ولا أتذمر. إن أجمل أزهار الحياة تذبل وما كادت تبتسم، وقد يهلك بعضها قبل نضجه، ولا يترك وراءه أثرا، وما أقل الأزهار التي تثمر، وإذا فعلت فما أندر نضج تلك الأثمار! بل كثيرا ما يهمل ذلك النادر وا أسفاه! فيترك للعطب والدمار، وعلينا أيضا أن نعتبر باختلاف الفصول؛ فهي تتغير كما نتغير. الوداع.
الطقس بديع صائف، وكثيرا ما أزور بستان شارلوت، فأتسلق شجرة كمثرى، وأرمي إلى شارلوت بالأثمار وهي واقفة تحتي، فتتلقاها في إتبها.
الرسالة السابعة والثلاثون
Unknown page