ندت عنها صيحة استنكار: أفلاطون؟ وتقول إنك توقفت عن الشعر والخيال؟
قال وهو يرتشف جرعة من فنجانه: بعد أن يئس ورجع خائبا إلى أثينا، قرر أن يكرس بقية حياته للتعليم على أمل ...
قالت متحيرة: ولكنك كنت تعلم دائما، لا بد أنك ...
قال مصححا ما لم تفصح عنه: قررت أن أنشئ مدرسة في بلدي؛ مدرسة لأبناء الفقراء وللأيتام، يعني استثمار معكوس.
ضحكت قائلة: استثمار شاعري أفلاطوني، يظهر أنك لا تعرف الأحوال هنا.
قال بسرعة: بل لأني أعرفها جيدا، وماذا تنوين أنت أن تفعلي؟
اختلست نظرة حذرة إلى ولدها الذي لا يزال عاكفا على تخريب لعبته المعقدة: ذهب وترك لي المشاكل كما قلت لك؛ ديون ثقيلة وتركة مفلسة ومفاجآت وصدمات أكتشفها كل يوم.
ترقرقت عيناها بالدموع، ومدت يدها تحت النظارة فمسحت دمعتين قبل أن يسقطا على خديها.
شعر أن اللحظة المسحورة تلتف في غيمة تزداد سوادا، وأن الرياح تزحف عليها من كل ناحية بالعويل والبكاء فترتطم بالأرض كالشهاب محترقة. خيل إليه أيضا أن يدها ترتعش وصدرها يعلو ويهبط. قال وهو يمنع نفسه من وضع يده على يدها: لماذا نعذب أنفسنا ما دمنا عاجزين عن تغيير ما حدث؟ ادعي له بالرحمة وفكري في نفسك وفي ولدك.
أخذت تقلب الملعقة في الفنجان. صمتت ولم تجد شيئا تقوله، وصمت هو أيضا وتعذر عليه أن يقول شيئا، ونظر في ساعته فتأكد أن الوقت قد تأخر فنهض واقفا وهو يقول: أستأذنك فلا بد أن أرجع اليوم إلى البلد. أرجوك أن تعتبريني دائما مثل أخيك. سأكون على اتصال بصبرية للاطمئنان عليك، وإذا أذنت لي يمكنني أن أزورك كلما حضرت إلى مصر، مع السلامة.
Unknown page