Ahmad Curabi Zacim Muftara Calayhi
أحمد عرابي الزعيم المفترى عليه
Genres
3
وأرسل عرابي كتابا إلى بلنت في اليوم الحادي والعشرين من شهر مايو، ومما جاء فيه قوله: «إن جميع الأهالي ليطوف بهم الحزن لمجيء السفن الإنجليزية والفرنسية، وهم يرون في هذا العمل ما يبيت من سوء للبلاد، كما أنهم يرون فيه عدوانا لا مبرر له ولا ضرورة تدعو إليه. على أن المصريين قد صمموا على ألا يسلموا للدولة التي تريد أن تتدخل في شؤونهم وفي إدارة البلاد الداخلية، وهم كذلك قد جمعوا عزمهم على الاحتفاظ بالامتيازات التي ثبتتها المعاهدات، ولن يسمحوا لأحد بانتقاص هذه الامتيازات أو مسها ما دام فيهم رمق، وهم في الوقت نفسه حريصون على المحافظة على مصالح الأوربيين وحياتهم وممتلكاتهم ما داموا لا يتعدون الحدود التي رسمتها لهم القوانين، ونحن جميعا نبذل ما في وسعنا في أداء واجبنا، وعلى الله اتكالنا في الدفاع عن حقوقنا وبمعونته سننال غايتنا، وتنحصر غايتنا في إسعاد الوطن ونشر الأمن والسلام بين سكانه، ولا زلنا نأمل في عدالة أوربا ألا تتعدى علينا، بل إنا على خلاف ذلك نرجو أن يحسنوا سلوكهم معنا لأن في هذا مصلحتهم وهو يؤدي إلى تحقيق رغباتهم، وجدير بإنجلترا ألا تثق بوكلائها هنا فإنهم قوم لهم مآرب خفية شخصية يبتغون تحقيقها، ونرى أن نجاحهم في تحقيق مآربهم يعود بالضرر على بلادهم وعلى حكومتهم، وفي هذا القدر ما يكفي الآن وسيأتيك الغد بما يجد من الأنباء.»
4
ولكن ماذا كان عسيا أن يفعل بلنت وقد نشط مالت في إذاعة أسوأ الأخبار عن مصر وإحباط كل سعي يؤدي إلى نجاتها؟
يقول بلنت في كتابه مشيرا إلى برقياته وما جاءه عنها من ردود: «ولكن جاء الصباح فذهبت آمالي أدراج الرياح، وانقلب فوزي هزيمة، فقد كنت قضيت الليل بمنزلي بلندن في شارع جيمس رقم 10، وأرسلت في طلب الصحف فوجدت فيها جميعا برقية لشركة روتر وفيها نص البرقية التي أرسلتها إلى أعضاء المجلس في مصر، وقلت لهم فيها إن أوربا ستضم مصر، وفيها أن شيخ الإسلام تبرأ من الرد الذي جاءني باسمه، ووجدت في صحيفة ذي ستاندارد برقية من مراسلها بالقاهرة، مؤداها أن سلطان باشا صرح له أن يكذب البرقية التي أرسلتها والتي نشرت بالتيمس، وأن برقية سلطان هذه إنما كتبت تحت تأثير الإرهاب العسكري ...»
وعلى أي حال فما كان يغني عن بلنت صدقه وحسن مسعاه، وقد رسمت السياسة الإنجليزية الخطة التي تنتهجها، ولقد كانت الحكومة الإنجليزية على علم بكل شيء، ولذلك فما كانت بها حاجة إلى دفاع بلنت وأنبائه.
وهل كانت إنجلترا تتحرى في المسألة وجه الصواب حتى تسير على هدى ما تعلم؟ حسب الإنجليز أن يحققوا أطماعهم التي طال بهم العمل على تحقيقها في مصر، ذلك هو الواقع الذي لا يغيره جدال مهما طال، وليجر بعد ذلك بلنت في مضماره ما شاء، وليطلق هذا الشاعر الذي يعطف على حرية المصريين وآمالهم العنان لخياله حسبما يريد، فلن يؤثر ذلك في مجرى الحوادث، ولن يغير شيئا مما عقد النية جلادستون وجرانفل عليه ...
والسياسة على أي حال شيء، والشعر والأحلام شيء آخر، وكثيرا ما سخر الساسة من أماني دعاة الإنسانية، وضحكوا ملء أفواههم من هؤلاء الذين يحلمون فيتخيلون أحلامهم حقائق راهنة كما يتخيل الأطفال!
تلقت الحكومة المصرية، وتلقى الخديو في اليوم الخامس والعشرين من شهر مايو المذكرة المشتركة الثانية وفيها تطلب الدولتان: «أن يخرج عرابي باشا من مصر مع احتفاظه بلقبه وراتبه، وأن يبتعد كل من عبد العال باشا وعلي فهمي باشا إلى داخل القطر مع احتفاظهما كذلك بلقبيهما وراتبيهما وأن تسقيل الوزارة الحالية من الحكم ...»
ومن أعجب الأمور أن ممثلي الدولتين قد عزيا هذا الطلب إلى ما نصح به سلطان باشا لرئيس الوزارة، فقد جاء نصه كما يأتي: «إن ممثلي فرنسا وبريطانيا العظمى الموقعين على هذا يحيطان علم عطوفتكم بأنه من حيث إن عاطفة الوطنية حملت سعادة سلطان باشا رئيس مجلس النواب وكذا رغبته في تأييد سلم مصر ورفاهيتها على عرض الشروط الآتية على عطوفتلو محمود سامي باشا رئيس مجلس النظار، إذ رأى أنها الواسطة الوحيدة لوضع حد لحالة الاضطراب في مصر ...» ثم أوردا بعد ذلك الشروط أو الإنذار ... ولقد أنكر الوزراء وساطة سلطان باشا كما أن سلطان تنصل منها ...
Unknown page