68

Ahlam Min Abi

أحلام من أبي: قصة عرق وإرث

Genres

قالت أنجيلا: «أعتقد أنه من الأفضل أن نذهب الآن.» واستدركت: «لكن لا بد أن نتحدث مرة أخرى عما قريب.»

قالت منى: «نعم بكل تأكيد»، قبل أن يمشي ثلاثتهن، وكانت أنجيلا وشيرلي في المقدمة مشغولتين بالتحدث بخصوص أمر ما، وكانت منى تمشي خلفهما بتؤدة.

كان معظم أماكن قاعة الاجتماعات قد شغل آنذاك، وبلغ عدد الحاضرين ألفي شخص، ربما كان ثلثهم من السود الذين جاءوا من المدينة مستقلين الحافلات. عندما دقت الساعة السابعة أنشدت جوقة المنشدين ترنيمتين من الإنجيل، وتفقد ويل الحاضرين من الكنائس، وشرح بعدها مسيحي لوثري أبيض من الضواحي تاريخ المؤتمر الديني لمجتمع كالوميت ورسالته. بعد ذلك بدأت مجموعة من المتحدثين الصعود إلى المنصة لإلقاء كلمتهم، وكان منهم مشرع أسود وآخر أبيض، وخادم معمداني، والكاردينال جوزيف بيرناردين، وفي النهاية المحافظ الذي قدم تعهدا رسميا بدعم بنك الوظائف الجديد، وقدم أدلة على مجهوداته المتواصلة المبذولة نيابة عن الطبقة العاملة في ولاية إلينوي من الرجال والسيدات.

في حقيقة الأمر بدا هذا الحدث لي في مجمله مملا، مثله في ذلك مثل أي اجتماع سياسي أو مباراة مصارعة تعرض على شاشة التلفاز. مع أن الجمهور بدا مستمتعا بالأمر. رفع بعضهم أعلاما براقة تحمل اسم كنيستهم. وأخذ البعض الآخر يهتف بشدة وحماسة عند مشاهدة صديق لهم أو أحد الأقرباء على المنصة. وبرؤيتي كل هذه الوجوه السوداء والبيضاء معا في مكان واحد وجدت نفسي أنا أيضا أشعر بالابتهاج، وعرفت أن بداخلي الرؤية نفسها التي تدفع مارتي للأمام وثقته بالدوافع الشعبية وتضامن الطبقة العاملة، وإيمانه بأنه إذا أمكن تنحية السياسيين ووسائل الإعلام والبيروقراطيين جانبا، وإعطاء كل فرد في المجتمع مقعدا على الطاولة، يمكن عندئذ أن يجد عوام الناس أساسا للتفاهم المشترك.

عندما انفض الاجتماع الحاشد ذكر مارتي أن عليه توصيل بعض الأفراد إلى منازلهم؛ لذا بدلا من أن أركب معه قررت أن أركب إحدى الحافلات المتجهة إلى المدينة. وعندما وصلت الحافلة كان بها مقعد خال بجانب ويل، حيث بدأ يتحدث معي قليلا عن نفسه في الضوء الباهت لمصابيح الإنارة المتراصة على الطريق السريع.

ذكر لي ويل أنه تربى في شيكاغو، وخدم مع القوات الأمريكية في فيتنام. وبعد الحرب وجد عملا كموظف تنفيذي تحت الاختبار في بنك كونتيننتال إلينوي، ثم ترقى في البنك سريعا واستطاع الاستفادة من مميزات العمل؛ السيارة، وارتداء الحلل الأنيقة، والعمل بمكتب في وسط المدينة. بعد ذلك حدثت حركة إعادة تنظيم في البنك، وترتب عليها الاستغناء عن ويل وتركه غارقا في الديون. وكانت تلك هي نقطة التحول في حياته - كما قال - والطريقة الإلهية لإخباره بأن عليه إعادة النظر في القيم التي يؤمن بها. وبدلا من أن يبحث عن وظيفة أخرى في المجال المصرفي، سلك اتجاها دينيا. حيث انضم إلى أبرشية سانت كاترين في ضاحية ويست بولمان وحصل على وظيفة الحاجب هناك. وهذا القرار في الواقع فرض بعض القيود على زواجه وطبقا لما قاله، كانت زوجته «لا تزال تحاول التكيف» مع هذا الوضع. أما ويل فإن أسلوب الحياة الزاهد كان يتناسب مع رسالته الجديدة؛ ألا وهي نشر تعاليم الكتاب المقدس، والتخلص من بعض مظاهر الرياء التي رآها في الكنيسة.

قال ويل: «انخرط الكثير من السود في الكنيسة مع مواقف الطبقة المتوسطة واتجاهاتها.» وتابع: «فهم يعتقدون أنهم ما داموا يتبعون المعنى الحرفي لآيات الكتاب المقدس فإنهم ليسوا في حاجة إلى اتباع روح الآيات. وبدلا من محاولة إظهار الود والرغبة في المساعدة للمسيئين، يجعلونهم يشعرون بأنهم غير مرحب بوجودهم. بالإضافة إلى أنهم يسخرون من الناس ما لم يكونوا مرتدين الملابس المناسبة للقداس وما لم يتحدثوا بصورة لائقة، وما إلى غير ذلك. إنهم يتصورون أنهم يشعرون بالراحة؛ لذا لا يوجد سبب لشعورهم بالضيق والانزعاج. حسنا، ليس في الدين ما يبعث على شعورهم بالراحة، أليس كذلك؟ فكل ما فيه عظات اجتماعية. وقد حمل رسالته إلى الضعفاء المضطهدين. وهذا بالضبط ما أقوله لبعض هؤلاء الزنوج المنتمين للطبقة المتوسطة كلما تحدثت معهم أيام الآحاد. حيث أخبرهم بما لا يودون سماعه.» «وهل يستمعون إليك؟»

ضحك ويل ضحكة خافتة، وقال: «لا.» وتابع: «لكن ذلك لا يوقفني عن الكلام. إن الأمر شبيه بياقة القساوسة التي أرتديها. وهذا بالفعل يدفع بعضهم إلى الشعور بالغضب العارم. فيقولون لي: «إن هذه الياقات خاصة بالقساوسة.» لكن كما ترى، فإن كوني متزوجا ولا يمكن رسمي كاهنا لا يعني أنه لا يوجد لدي دافع داخلي قوي تجاه العمل الديني . في الواقع، لا يوجد شيء في الإنجيل يتحدث عن الياقات. لذا فإنني أرتدي الياقة ليعرف الناس وجهة نظري.

في حقيقة الأمر، إنني ارتديت الياقة عندما ذهب بعضنا لمقابلة الكاردينال بيرناردين منذ قرابة شهر. ولكن كل شخص وقتها شعر بالضيق الشديد لارتدائي إياها. وبعد ذلك غضبوا جميعا عندما ناديت الكاردينال جوزيف باسم «جو» بدلا من «صاحب القداسة». ولكن بيرناردين كان رائعا. إنه رجل روحاني. وأستطيع أن أقول لك إن أحدنا قد فهم الآخر. لكن هذه القواعد نفسها هي التي تفرقنا؛ القواعد التي يفرضها البشر وليست القواعد الإلهية. أريدك أن تعلم يا باراك أنني على الرغم من انضمامي للكنيسة الكاثوليكية فإنني منذ نعومة أظافري معمداني. وكان يمكن أن ألتحق بكنيسة ميثودية أو خمسينية أو غيرها بمنتهى السهولة. لكن كنيسة سانت كاترين هي الكنيسة التي أرسلني إليها الرب. فالرب يهتم بما إذا كانت لدي الرغبة في مساعدة الآخرين أكثر مما يهتم بما إذا كنت ملتزما بخلاصة العقيدة الدينية المفرغة في سؤال وجواب.»

أومأت برأسي مقررا ألا أسأله عن معنى هذه الخلاصة. ففي إندونيسيا قضيت عامين في مدرسة إسلامية وعامين في مدرسة كاثوليكية. في المدرسة الإسلامية أرسل المدرس لأمي خطابا قال فيه إنني في أثناء حصص القرآن كنت أصنع تعبيرات بلهاء بقسمات وجهي لإثارة الضحك. لكن أمي لم تهتم بصفة عامة بهذا الأمر. ولم تقل لي سوى: «كن محترما.» أما عندما كان يحين موعد الصلاة في المدرسة الكاثوليكية فكنت أتظاهر أنني أغمض عيني ثم أظل أجول ببصري في أرجاء الغرفة. ولكن لم يكن يحدث شيء. ولم تكن تتنزل الملائكة. ولم يكن هناك سوى راهبة عجوز جافة البشرة ومعها 30 طفلا أسمر كانوا جميعا يهمهمون بالكلمات. وكانت الراهبة في بعض الأحيان تمسك بي وأنا أفعل ذلك، وكانت نظرتها القاسية تجبرني أن أغمض جفني من جديد. لكن لم يكن ذلك يغير شعوري الداخلي. لقد انتابني هذا الشعور نفسه وأنا أستمع لويل وكان صمتي شبيها بإغماض عيني .

Unknown page