أحكام تمني الموت تأليف: شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب ﵀ بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، اللهم صل على محمد وآله وصحبه وسلم. عن أنس قال: قال رسول الله ﷺ: "لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به، فإن كان لا بد متمنيا، فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي " ١ ٢. ولمسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: "لا يتمنين أحدكم الموت، ولا يدع به من قبل أن يأتيه، إنه إذا مات أحدكم، انقطع عمله، وإنه لا يزيد المؤمن عمره إلا خيرا" ٣. وللبخاري عنه مرفوعا: "لا يتمنين أحدكم الموت، إما محسنا فلعله أن يزداد، وإما مسيئا فلعله أن يستعتب" ٤. ولأحمد والحاكم عن جابر قال رسول الله ﷺ: "لا تمنوا الموت، فإن هول المطلع شديد، وإن من السعادة أن يطول عمر العبد حتى يرزقه الله الإنابة" ٥. وقال أنس: "لولا أن رسول الله ﷺ نهانا عن تمني الموت لتمنيناه" أخرجاه. ولأحمد حديث أبي هريرة: "إلا أن يكون قد وثق بعمله" ٦. وعن أبي بكرة "أن رجلا قال: يا رسول الله، أي الناس خير؟ قال: من طال عمره، وحسن عمله. قال: فأي الناس شر؟ قال: من طال عمره، وساء عمله" ٧ صححه الترمذي. _________ ١ البخاري: المرضى (٥٦٧١) والدعوات (٦٣٥١)، ومسلم: الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار (٢٦٨٠)، والترمذي: الجنائز (٩٧١)، والنسائي: الجنائز (١٨٢٠،١٨٢١)، وابن ماجه: الزهد (٤٢٦٥)، وأحمد (٣/١٠١،٣/١٠٤،٣/١٧١،٣/١٩٥،٣/٢٠٨،٣/٢٤٧،٣/٢٨١) . ٢ أخرجه الجماعة بألفاظ متقاربة. ٣ مسلم: الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار (٢٦٨٢)، وأحمد (٢/٣١٦،٢/٣٥٠) . ٤ البخاري: المرضى (٥٦٧٣) . ٥ أحمد (٣/٣٣٢) . ٦ أحمد (٢/٣٥٠) . ٧ الترمذي: الزهد (٢٣٣٠)، وأحمد (٥/٤٠،٥/٤٣،٥/٤٧،٥/٤٨،٥/٤٩،٥/٥٠)، والدارمي: الرقاق (٢٧٤٢) .

1 / 3

ولأحمد عن أبي هريرة قال: "كان رجلان من بلي، وهم حي من قضاعة، أسلما مع رسول الله ﷺ فاستشهد أحدهما، وأخر الآخر سنة، قال طلحة بن عبيد الله: فرأيت الجنة، فرأيت المؤخر منهما أدخل قبل الشهيد، فتعجبت لذلك، فأصبحت، فذكرت ذلك للنبي ﷺ فقال: أليس قد صام بعده رمضان، وصلى ستة آلاف ركعة، أو كذا وكذا ركعة، صلاة السنة". وله عن طلحة مرفوعا. "ليس أحد أفضل عند الله من مؤمن يعمر في الإسلام، لتسبيحه وتكبيره وتهليله" ١ وفي حديث الرؤيا: "وإذا أردت بقوم فتنة، فاقبضني إليك غير مفتون" ٢. وأخرج مالك عن عمر أنه قال: "اللهم قد ضعفت قوتي، وكبرت سني، وانتشرت رعيتي، فاقبضني إليك غير مضيع ولا مقصر. فما جاوز ذلك الشهر حتى قبض". وأخرج أحمد عن عليم الكندي قال: "كنت مع أبي عبس الغفاري على سطح، فرأى قوما يتحملون ٣ من الطاعون، فقال: يا طاعون خذني إليك. ثلاثا يقولها، فقال له عليم: لم تقول هذا؟ ألم يقل رسول الله ﷺ: لا يتمنى أحدكم الموت، فإنه عند ذلك انقطاع عمله، ولا يرد فيستعتب؟ فقال أبو عبس: أنا سمعت رسول الله ﷺ يقول: بادروا بالموت ستا، إمارة السفهاء، وكثرة الشرط، وبيع الحكم، واستخفافا بالدم، وقطيعة الرحم، ونشوا اتخذوا القرآن مزامير، يقدمون الرجل ليغنيهم بالقرآن، وإن كان أقلهم فقها" ٤. وللحاكم عن الحسن عن ابن عمر مثله، وأخرج ابن سعد عن أبي هريرة مثله، لكن ذكر _________ ١ أحمد (١/١٦٣) . ٢ أخرجه أحمد والترمذي عن ابن عباس. ٣ أي يرتحلون هربا منه. ٤ أحمد (٣/٤٩٤) .

1 / 4

التهاون بالذنب بدل الدم، وللطبراني عن عمرو بن عبسة: "لا يتمنى أحدكم الموت، إلا أن يثق بعمله، فإن رأيتم في الإسلام ستا فتمنوا الموت، وإن كانت نفسك بيدك فأرسلها"، فذكر كما تقدم. وأخرج الحاكم في المستدرك عن ابن عمرو مرفوعا: "تحفة المؤمن الموت". ولأحمد وسعيد عن محمود بن لبيد مرفوعا: "اثنتان يكرههما ابن آدم، يكره الموت والموت خير له من الفتنة، ويكره قلة المال وقلة المال أقل للحساب" ١. وأخرج أبو نعيم عن عمر بن عبد العزيز قال: "إنما خلقتم للأبد، ولكنكم تنقلون من دار إلى دار". وأخرج سعيد في سننه عن علي في قوله: ﴿وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا﴾ ٢ قال: "هي الملائكة تنزع أرواح الكفار. ﴿وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا﴾ ٣ هي الملائكة تنشط أرواح الكفار ما بين الأظفار والجلد حتى تخرجها. ﴿وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا﴾ ٤ هي الملائكة تسبح بأرواح المؤمنين بين السماء والأرض. ﴿فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا﴾ ٥ هي الملائكة يسبق بعضها بعضا بأرواح المؤمنين إلى الله". وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: ﴿وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا﴾ ٦ قال: "هي أنفس الكفار تنزع ثم تنشط ثم تغرق في النار". وأخرج عن الربيع بن أنس في قوله: ﴿وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا﴾ ٧ قال: "هاتان الآيتان للكفار عند نزع النفس، تنشط نشطا عنيفا مثل سفود جعلته في صوف فكان خروجه شديدا، ﴿وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا (فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا﴾ ٨ قال: هاتان للمؤمنين". _________ ١ أحمد (٥/٤٢٧) . ٢ سورة النازعات آية: ١. ٣ سورة النازعات آية: ٢. ٤ سورة النازعات آية: ٣. ٥ سورة النازعات آية: ٤. ٦ سورة النازعات آية: ١. ٧ سورة النازعات آية: ١-٢. ٨ سورة النازعات آية: ٣-٤.

1 / 5

وأخرج عن السندي في قوله: ﴿وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا﴾ ١ قال: "النفس حين تغرق في الصدر". وأخرج مسلم عن ابن مسعود قال: لما أسري برسول الله ﷺ فانتهى إلى سدرة المنتهى، وإليها ينتهي ما يعرج من الأرواح - وفي حديث الإسراء عن أبي هريرة: "ثم انتهى إلى سدرة، فقيل له: هذه السدرة ينتهي إليها كل أحد خلا من أمتك على سبيلك". أخرجه ابن جرير وابن أبي حاتم. ولمسلم عن أبي هريرة قال: "إذا خرج روح المؤمن تلقاها ملكان فصعدا بها، فذكر من طيبها، وتقول أهل السماء: روح طيبة جاءت من قبل الأرض، صلى الله عليك وعلى جسد كنت تعمرينه. فينطلقون به إلى ربه تعالى، ثم يقول: انطلقوا به إلى آخر الأجل. وإن الكافر إذا خرجت روحه، فذكر من نتنها، وذكر لعنا، ويقول أهل السماء: روح خبيثة جاءت من قبل الأرض، فيقال: انطلقوا به إلى آخر الأجل". ولأحمد وابن حبان والحاكم وغيرهم عنه أن النبي ﷺ قال: "إن المؤمن إذا قبض أتته ملائكة الرحمة بحرير أبيض، فيقولون: اخرجي راضية مرضيا عنك إلى روح الله وريحان ورب غير غضبان، فتخرج كأطيب ريح المسك، حتى إنه ليناوله بعضهم بعضا فيشمونه حتى يأتوا به باب السماء فيقولون: ما أطيب هذه الريح التي جاءت من قبل الأرض! كلما أتوا سماء قالوا ذلك، حتى يأتوا به أرواح المؤمنين، فلهم أفرح به من أحدكم بغائبه إذا قدم عليه، فيسألونه: ما فعل فلان؟ فيقولون: دعوه حتى يستريح، فإنه كان في غم الدنيا، فإذا قيل لهم: ما أتاكم؟ فإنه قد مات، يقولون: ذهب به إلى أمه الهاوية. وأما الكافر فتأتيه ملائكة _________ ١ سورة النازعات آية: ١.

1 / 6

العذاب بمسح، فيقولون: اخرجي ساخطة مسخوطا عليك إلى عذاب الله وسخطه، فتخرج كأنتن ريح جيفة، فينطلقون إلى باب الأرض، فيقولون: ما أنتن هذه الريح!. كلما أتوا على أرض قالوا ذلك، حتى يأتوا به أرواح الكفار". وأخرج هناد وعبد في تفسيره، والطبراني بسند رجاله ثقات، عن عبد الله بن عمرو قال: "إذا قتل العبد في سبيل الله، فأول قطرة تقع على الأرض من دمه يكفِّر الله له ذنوبه كلها، ثم يرسل الله بريطة ١ من الجنة، فتقبض فيها نفسه، وبجسد من الجنة حتى تركب فيه روحه، ثم يعرج مع الملائكة كأنه كان معهم منذ خلقه الله، حتى يؤتى به الرحمن، فيسجد قبل الملائكة، ثم تسجد الملائكة بعده، ثم يغفر له ويطهر، تم يؤمر به إلى الشهداء، فيجدهم في رياض خفر وقباب من حرير، عندهم ثور وحوت يلقنانهم كل يوم بشيء لم يلقناه بالأمس، يظل الحوت في أنهار الجنة، فإذا أمسى وكزه الثور بقرنه، فذكاه، فأكلوا من لحمه، فوجدوا في طعم لحمه كل رائحة من ريح الجنة، ويبيت الثور نافشا ٢ في الجنة، يأكل من ثمر الجنة، فاذا أصبح غدا عليه الحوت فذكاه بذنبه، فأكلوا من لحمه، فوجدوا في طعم لحمه كل ثمرة من الجنة، ينظرون إلى منازلهم، يدعون الله بقيام الساعة. وإذا توفى الله العبد المؤمن، أرسل إليه ملكين بخرقة من الجنة وريحان من ريحان الجنة، فقالا: أيتها النفس الطيبة. اخرجي إلى روح وريحان _________ ١ في النهاية: الريطة كل ثوب رقيق لين. ٢ النقش: الرعي ليلا.

1 / 7