كَانَ مُجَوَّزًا فِي الْعَقْلِ أَنْ لَا يَرِدَ التَّعَبُّدُ بِهَا، فَلَمْ يَكُنِ الْعَقْلُ مُوجِبًا لَهَا، وَإِنَّمَا أَوْجَبَ الْعَقْلُ أَنْ يَمْنَعَ كُلُّ وَاحِدٍ نَفْسَهُ مِنَ الْعُقَلَاءِ عَنِ التَّظَالُمِ وَالتَّقَاطُعِ، وَيَأْخُذَ بِمُقْتَضَى الْعَدْلِ فِي التَّنَاصُفِ وَالتَّوَاصُلِ، فَيَتَدَبَّرُ بِعَقْلِهِ لَا بِعَقْلِ غَيْرِهِ، وَلَكِنْ جَاءَ الشَّرْعُ بِتَفْوِيضِ الْأُمُورِ إلَى وَلِيِّهِ فِي الدِّينِ، قَالَ اللَّهُ ﷿: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ [النساء: ٥٩] .
فَفَرَضَ عَلَيْنَا طَاعَةَ أُولِي الْأَمْرِ فِينَا، وَهُمُ الْأَئِمَّةُ الْمُتَأَمِّرُونَ عَلَيْنَا١.
وَرَوَى هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: ﴿سَيَلِيكُمْ بَعْدِي وُلَاةٌ، فَيَلِيكُمْ الْبَرُّ بِبِرِّهِ، وَيَلِيكُمْ الْفَاجِرُ بِفُجُورِهِ، فَاسْمَعُوا لَهُمْ وَأَطِيعُوا فِي كُلِّ مَا وَافَقَ الْحَقَّ، فَإِنْ أَحْسَنُوا فَلَكُمْ وَلَهُمْ، وَإِنْ أَسَاءُوا فَلَكُمْ وَعَلَيْهِمْ﴾ ٢.
_________
١ إذن لا بُدَّ -وفي كل الأحوال- للأمَّة أن تختار من تنيطه في تطبيق أحكام وحدود شرع الله في الأرض بين الناس، وإمضاء أحكامه، بل إنَّ إقامة الإمام أو الخليفة واجب وجوب الشريعة ذاته، تطبيقًا للمبدأ القائل: ما لا يتمّ الواجب إلّا به فهو واجب. "انظر: الإسلام وأوضاعنا السياسية: عبد القادر عودة، ص: ١٠٩، ١١٠".
٢ ضعيف: رواه الدارقطني في سننه، باب: صفة من تجوز الصلاة معه والصلاة عليه "٢/ ٥"، والطبراني في الأوسط "٦/ ٢٤٧"، وقال: لم يَرْوِ هذا الحديث عن هشام بن عروة إلّا عبد الله بن محمد بن عروة، تفرَّد به إبراهيم بن المنذر، ولم يسند هشام بن عروة عن أبي صالح هذا، وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد "٥/ ٢١٨"، وقال: رواه الطبراني في الأوسط، وفيه عبد الله بن محمد بن يحيى بن عروة وهو ضعيف جدًّا.
فائدة: يقول الدكتور السنهوري -رحمه الله تعالى: والحقيقة أنَّ النصوص التي تذكر في هذا المجال ليست قاطعة في وجوب الخلافة باعتبارها ذلك النوع من نظم الحكم الذي يتميز بالخصائص التي أشرنا إليها، بل إنَّها تلزم المسلمين بإيجاد حكومة ما دون تحديد نوع هذه الحكومة، وتوجب عليهم طاعة هولاء الحكَّام، ولكنَّنَا نرى أنَّ هذه النصوص وإن لم تكف بذاتها سندًا لوجوب الخلافة، فهي على الأقلِّ كافية لتكون سندًا للإجماع الذي أوجبها. "فقه الخلافة وتطورها: ص٦، هامش: ١".
1 / 16