فصل: "واجبات الأمة نحو الخليفة"
وَإِذَا قَامَ الْإِمَامُ بِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ حُقُوقِ الْأُمَّةِ، فَقَدْ أَدَّى حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى فِيمَا لَهُمْ وَعَلَيْهِمْ، وَوَجَبَ لَهُ عَلَيْهِمْ حَقَّانِ: الطَّاعَةُ١ وَالنُّصْرَةُ٢ مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ حَالُهُ.
وَاَلَّذِي يَتَغَيَّرُ بِهِ حَالُهُ فَيَخْرُجُ بِهِ عَنِ الْإِمَامَةِ شَيْئَانِ:
أَحَدُهُمَا: جَرْحٌ فِي عَدَالَتِهِ.
وَالثَّانِي: نَقْصٌ فِي بَدَنِهِ، فَأَمَّا الْجَرْحُ فِي عَدَالَتِهِ وَهُوَ الْفِسْقُ فَهُوَ عَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: مَا تَابَعَ فِيهِ الشَّهْوَةَ.
وَالثَّانِي: مَا تَعَلَّقَ فِيهِ بِشُبْهَةٍ، فَأَمَّا الْأَوَّلُ مِنْهُمَا فَمُتَعَلِّقٌ بِأَفْعَالِ الْجَوَارِحِ، وَهُوَ ارْتِكَابُهُ لِلْمَحْظُورَاتِ، وَإِقْدَامُهُ عَلَى الْمُنْكَرَاتِ تَحْكِيمًا لِلشَّهْوَةِ وَانْقِيَادًا لِلْهَوَى، فَهَذَا فِسْقٌ يَمْنَعُ مِنِ انْعِقَادِ الْإِمَامَةِ وَمِنِ اسْتِدَامَتِهَا، فَإِذَا طَرَأَ عَلَى مَنِ انْعَقَدَتْ إمَامَتُهُ خَرَجَ مِنْهَا، فَلَوْ عَادَ إلَى الْعَدَالَةِ لَمْ يَعُدْ إلَى الْإِمَامَةِ إلَّا بِعَقْدٍ جَدِيدٍ.
وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَكَلِّمِينَ: يَعُودُ إلَى الْإِمَامَةِ بِعَوْدِهِ إلَى الْعَدَالَةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْتَأْنِفَ لَهُ عَقْدٌ وَلَا بَيْعَةٌ؛ لِعُمُومِ وِلَايَتِهِ وَلُحُوقِ الْمَشَقَّةِ فِي اسْتِئْنَافِ بَيْعَتِهِ.
وَأَمَّا الثَّانِي مِنْهُمَا: فَمُتَعَلِّقٌ بِالِاعْتِقَادِ الْمُتَأَوِّلِ بِشُبْهَةٍ تَعْتَرِضُ، فَيَتَأَوَّلُ لَهَا خِلَافَ الْحَقِّ،
_________
١ قلت: إلّا أنَّ هذه الطاعة ليست مطلقة، بل هي مقيَّدة بموافقتها للشرع، والنصوص الواردة في ذلك كثيرة، منها: ما رواه ابن عمر ﵄، عن النبي ﷺ قال: "السمع والطاعة حقٌّ ما لم يؤمر بالمعصية، فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة"، وفي رواية: "على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحبَّ وكره إلّا أن يؤمر بمعصية، فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة"، وعن يحيى بن حصين قال: سمعت جدتي تحدِّث أنَّها سمعت النبي ﷺ يخطب في حجة الوداع وهو يقول: "ولو استُعْمِلَ عليكم عبد يقودكم بكتاب الله، فاسمعوا له وأطيعوا"، إلى آخر هذه النصوص الصحيحة.
٢ قلت: ومن باب نصرة الخليفة أو الحاكم النصح له، وذلك واجب على كل مسلم، فعن تميم الداري أنَّ النبي ﷺ قال: "الدين النصيحة" قلنا: لمن؟ قال: "لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم".
1 / 42