وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي ثُبُوتِ إمَامَتِهِ وَانْعِقَادِ وِلَايَتِهِ بِغَيْرِ عَقْدٍ وَلَا اخْتِيَارٍ؛ فَذَهَبَ بَعْضُ فُقَهَاءِ الْعِرَاقِ إلَى ثُبُوتِ وِلَايَتِهِ وَانْعِقَادِ إمَامَتِهِ، وَحَمْلِ الْأُمَّةِ عَلَى طَاعَتِهِ وَإِنْ لَمْ يَعْقِدْهَا أَهْلُ الِاخْتِيَارِ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ الِاخْتِيَارِ تَمْيِيزُ الْمُوَلَّى وَقَدْ تَمَيَّزَ هَذَا بِصِفَتِهِ.
وَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ إلَى أَنَّ إمَامَتَهُ لَا تَنْعَقِدُ إلَّا بِالرِّضَا وَالِاخْتِيَارِ، لَكِنْ يَلْزَمُ أَهْلَ الِاخْتِيَارِ عَقْدُ الْإِمَامَةِ لَهُ، فَإِنْ اتَّفَقُوا أَتَمُّوا؛ لِأَنَّ الْإِمَامَةَ عَقْدٌ لَا يَتِمُّ إلَّا بِعَاقِدٍ، وَكَالْقَضَاءِ إذَا لَمْ يَكُنْ مَنْ يَصْلُحُ لَهُ إلَّا وَاحِدٌ لَمْ يَصِرْ قَاضِيًا حَتَّى يُوَلَّاهُ؛ فَرَكَّبَ بَعْضُ مَنْ قَالَ بِذَلِكَ الْمَذْهَبِ هَذَا الْبَابَ وَقَالَ: يَصِيرُ قَاضِيًا إذَا تَفَرَّدَ بِصِفَتِهِ كَمَا يَصِيرُ الْمُنْفَرِدُ بِصِفَتِهِ إمَامًا.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَصِيرُ الْمُنْفَرِدُ قَاضِيًا وَإِنْ صَارَ الْمُنْفَرِدُ إمَامًا، وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْقَضَاءَ نِيَابَةٌ خَاصَّةٌ يَجُوزُ صَرْفُهُ عَنْهُ مَعَ بَقَائِهِ عَلَى صِفَتِهِ، فَلَمْ تَنْعَقِدْ وِلَايَتُهُ إلَّا بِتَقْلِيدِ مُسْتَنِيبٍ لَهُ، وَالْإِمَامَةُ مِنَ الْحُقُوقِ الْعَامَّةِ الْمُشْتَرَكَةِ بَيْنَ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَحُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ، لَا يَجُوزُ صَرْفُ مَنِ اسْتَقَرَّتْ فِيهِ إذَا كَانَ عَلَى صِفَةٍ، فَلَمْ يَفْتَقِرْ تَقْلِيدُ مُسْتَحِقِّهَا مَعَ تَمَيُّزِهِ إلَى عَقْدٍ مُسْتَثْبَتٍ لَهُ.
_________
= حكم غير الموجود؛ لوجود سبب كافٍ لتفضيل من هو أقل منه، ولكنَّ الفرض الثاني هو الذي تتعارض فيه النظريتان؛ فالفقهاء الذين يرون أنَّ بيعة المفضول تكون غير صحيحة ولا تنعقد بها الإمامة، يظهر أنَّهم يقولون بنظرية الصفة الكاشفة للانتخاب، أمَّا الذين يقولون بالعكس، وهم أغلبية الفقهاء والمتكلمين -كما ذكر الماوردي- فيرون الانتخاب تصرف منشئ. "فقه الخلافة وتطورها: ص١٠٩".
1 / 28