فصل: "بِمَ تنعقد الإمامة"؟
والإمامة تنعقد من وجهين:
أحدهما: باختيار أهلِ العَقْدِ والحَلِّ١.
_________
١أقول: إنَّ اختيار الحاكم في الإسلام حقٌ من حقوق الأمَّة، كفله لها الإسلام، فلا ينبغي أن تفرِّط فيه أو أن تتنازل عنه ما استطاعت إلى ذلك سبيلًا، تشهد بذلك الوقائع التاريخية المعتمدة في التشريع الإسلامي، وهي المدَّة من نزول الوحي على النبي ﷺ، وحتى آخر خلافة علي بن أبي طالب ﵁؛ لقوله ﷺ: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي ... ".
ففي حياة النبي ﷺ في بيعة العقبة الثانية يقدِّم ﷺ أوَّلَ إرساءٍ لهذا المبدأ -مبدأ حق الأمَّة في اختيار من يمثلها- حين قال مخاطبًا الأنصار: "أخرجوا إليَّ منكم اثني عشر نقيبًا ليكونوا على قومهم بما فيهم".
ثم كانت بيعة أبي بكر بعد مساجلات ومناقشات حرة ومداولات مطوَّلَة بين المهاجرين والأنصار، أدلى كلٌّ منهم برأيه حتى اجتمعوا على اختياره ﵁.
ثم كان أن استَخْلَفَ أبو بكر عمر فارتضت الأمَّة ذلك منه وبايعته ﵁ عن اقتناع حر، بعد أن أعلن كل فرد رأيه، حتى قال قائل لأبي بكر ﵁ وهو على سرير الموت: ما أنت قائل لربِّك إذا سألك عن استخلافك عمر علينا وقد ترى غلظته، وهو إذا وَلِيَ كان أفظّ وأغلظ؟
فردَّ أبو بكر قائلًا: "أبالله تخوّفني؟ خاف من تزود من أمركم بظلم!! أقول: اللهمَّ إني قد استخلفت على أهلك خير أهلك".
ثم كان استخلاف عثمان بعد مشاورات قام بها الصحابي الجليل عبد الرحمن بن عوف، استشار فيها كافَّة أهل المدينة، حتى إنَّه عبَّر عن ذلك قائلًا قبل مبايعته عثمان: "أيها الناس، إني قد سألتكم سرًّا وجهرًا عن إمامكم، فلم أجدكم تعدلون بأحد هذين الرجلين إمَّا عليّ وإمَّا عثمان ... ".
فهذه الفترة من تاريخ الأمَّة الإسلامية، هو وحده الذي يصلح لاستنباط الأحكام والتشريعات منه ويعد ما حدَثَ بها سوابق دستورية يجب الالتزام بها والسير عليها.
أما ما حدث بعد ذلك على أيدي بني أمية، فليس من الإسلام في شيء، بل لا قيمة له في ميزان الإسلام.
يقول سيد قطب ﵀: "فلمَّا جاء بنو أميَّة وصارت الخلافة الإسلامية ملكًا عضوضًا فيهم بالوراثة، لم يكن ذلك من روح الإسلام، إنَّمَا كان من حمق الجاهلية الذي أطفأ إشراقة الروح الإسلامي".
1 / 21